لما ورد الى بغداد قصد ابا الحسن علي بن عيسى الربعي ليقرأ عليه فلما دخل عليه قال علي بن عيسى ليصعد الاصطبل فخرج مغضباً ولم يعد اليه ، والاصطبل في لغة أهل الشام الأعمى ولعلها معرّبة. ودخل على المرتضى ابي القاسم فعثر برجلٍ فقال : من هذا الكلب ، فقال المعري : الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسماً ، وسمعه المرتضى فاستدناه واختبره فوجده عالما مشبعا بالفطنة والذكاء فأقبل عليه إقبالاً كثيرا ، وكان أبو العلاء يتعصب للمتنبي ويزعم انه أشعر المحدثين ويفضله على بشار ومن بعده مثل أبي نواس وأبي تمام ، وكان المرتضى يبغض المتنبي ويتعصب عليه فجرى يوما بحضرته ذكر المتنبي فتنقصه المرتضى وجعل يتتبع عيوبه ، فقال المعري : لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قوله : ـ لك يا منازل في القلوب منازل ـ لكفاه فضلاً فغضب المرتضى وأمر فسحب برجله واخرج من مجلسه ، وقال لمن بحضرته أتدرون أي شيء أراد بذكر هذه القصيدة فإن للمتنبي ما هو أجود منها ـ اراد قوله في هذه القصيدة :
وإذا أتتك مذمتي
من ناقصٍ |
|
فهي الشهادة لي
بأني كامل |
وقال السيد الامين إن هذه القصة موضوعة ولا يصح قول من قال أن المرتضى كان يبغض المتنبي فانه لا موجب لبغضه إياه وليس معاصراً له فمولد المرتضى قريب من وفاة المتنبي ، ولا لتعصبه عليه ، فالمرتضى في علمه وفضله ومعرفته لم يكن يتعصب على ذي فضل كالمتنبي ولا يجهل مكانته في الشعر ، والمعري مع علمه بجلالة قدر المرتضى وعلوّ مكانه لم يكن ليواجهه بهذا الكلام وللمعري بيتان يمدح الرضي والمرتضى في القصيدة التي رثى بها والد السيدين المرتضى والرضي وهما :
ساوى الرضي
المرتضى وتقاسما |
|
خطط العلا
بتناصفٍ وتصافى |
خلا ندى سبقا
وصلى الاطهر |
|
المرضي فيا
لثلاثة أحلاف |
والاطهر المرضي هو ابن للشريف المرتضى.