التعليل أي ولا تعط لأجل أن تستكثر أي تطلب الكثير ممن تعطيه وأيد به إرادة المعنى الأول في قراءة الرفع ، وجوز الزمخشري في تلك القراءة أن يكون الرفع لحذف أن وإبطال عملها كما روي أحضر الوغى بالرفع فالجملة حينئذ ليست حالية ، وتعقبه أبو حيان بأنه لا يجوز حمل القرآن على ذلك إذ لا يجوز ما ذكر إلّا في الشعر ولنا مندوحة عنه مع صحة معنى الحال ، ورد بأن المخالف للقياس بقاء عملها بعد حذفها ، وأما الحذف والرفع فلا محذور فيه وقد أجازه النحاة ومنه : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) قيل على أذى المشركين وقيل على أداء الفرائض. وقال ابن زيد : على حرب الأحمر والأسود وفيه بعد إذ لم يكن جهاد يوم نزولها. وعن النخعي على عطيتك كأنه وصله بما قبله وجعله صبرا على العطاء من غير استكثار والوجه كما قال جار الله أن يكون أمرا بنفس الفعل والمعنى لقصد جهته تعالى وجانبه عزوجل فاستعمل الصبر فيتناول لعدم تقدير المتعلق المفيد للعموم كل مصبور عليه ومصبور عنه ويراد الصبر على أذى المشركين لأنه فرد من أفراد العام لا لأنه وحده هو المراد. وعن ابن عباس الصبر في القرآن على ثلاثة أوجه صبر على أداء الفرائض وله ثلاثمائة درجة ، وصبر عن محارم الله تعالى وله ستمائة درجة ، وصبر على المصائب عند الصدمة الأولى وله تسعمائة درجة وذلك لشدته على النفس وعدم التمكن منه إلّا بمزيد اليقين ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم : «أسألك من اليقين ما تهون به عليّ مصائب الدنيا» وذكروا أن للصبر باعتبار حكمه أربعة أقسام فرض كالصبر عن المحظورات وعلى أداء الواجبات ونفل كالصبر عن المكروهات والصبر على المسنونات ومكروه كالصبر عن أداء المسنونات والصبر على فعل المكروهات وحرام كالصبر على من يقصد حريمه بمحرم وترك التعرض له مع القدرة إلى غير ذلك وتمام الكلام عليه في محله وفضائل الصبر الشرعي المحمود مما لا تحصى. ويكفي في ذلك قوله تعالى (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) [الزمر : ١٠] وقوله صلىاللهعليهوسلم : «قال الله تعالى إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا». (فَإِذا نُقِرَ) أي نفخ (فِي النَّاقُورِ) في الصور وهو فاعول من النقر بمعنى التصويت وأصله القرع الذي هو سببه ومنه منقار الطائر لأنه يقرع به ولهذه السببية تجوز به عنه وشاع ذلك وأريد به النفخ لأنه نوع منه ، والفاء للسببية كأنه قيل اصبر على أذاهم فبين أيديهم يوم هائل يلقون فيه عاقبة أذاهم وتلقى عاقبة صبرك عليه والعامل في «إذا» ما دل عليه قوله تعالى (فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ) فالمعنى إذا نقر في الناقور عسر الأمر على الكافرين والفاء في هذا للجزاء وذلك إشارة إلى وقت النقر المفهوم من (فَإِذا نُقِرَ) وما فيه من المعنى البعد مع قرب العهد لفظا بالمشار إليه للإيذان ببعد منزلته في الهول والفظاعة ومحله الرفع على الابتداء و (يَوْمَئِذٍ) قيل بدل منه مبني على الفتح لإضافته إلى غير متمكن والخبر (يَوْمٌ عَسِيرٌ) فكأنه قيل فيوم النقر يوم عسير وجوز أن يكون (يَوْمَئِذٍ) ظرفا مستقرا ل (يَوْمٌ عَسِيرٌ) أي صفة له ، فلما تقدم عليه صار حالا منه والذي أجاز ذلك على ما في الكشاف أن المعنى فذلك وقت النقر وقوع يوم عسير لأن يوم القيامة يأتي ويقع حين ينقر في الناقور فهو على منوال زمن الربيع العيد فيه أي وقوع العيد فيه وماله فذلك الوقوع وقوع يوم إلخ ، ومما ذكر يعلم اندفاع ما يتوهم من تقديم معمول المصدر أو معمول ما في صلته على المصدر إن جعل ظرف الوقوع المقدر أو ظرف عسير والتصريح بلفظ وقوع إبراز للمعنى وتفص عن جعل الزمان مظروف الزمان برجوعه إلى الحدث فتدبر وظاهر صنيع الكشاف اختيار هذا الوجه وكذا كلام صاحب الكشف إذ قرره على أتم وجه وادعى فيما سبق تعسفا نعم جوز عليه الرحمة أن يكون (يَوْمَئِذٍ) معمول ما دل عليه الجزاء أيضا كأنه قيل فإذا نقر في الناقور عسر الأمر على