(أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ) (٢)
____________________________________
* ملاحظة لتحقق المجموع الشخصى فى علم الله سبحانه أو فى اللوح ولا لنزوله جملة إلى السماء الدنيا (الْحَكِيمِ) ذى الحكمة وصف به لاشتماله على فنون الحكم الباهرة ونطقه بها أو هو من باب وصف الكلام بصفة صاحبه أو من باب الاستعارة المكنية المبنية على تشبيه الكتاب بالحكيم الناطق بالحكمة هذا وقد جعل الكتاب عبارة عن نفس السورة وكلمة تلك إشارة إلى ما فى ضمنها من الآى فإنها فى حكم الحاضر لا سيما بعد ذكر ما يتضمنها من السورة عند بيان اسمها أو الأمر بذكرها أو بقراءتها وينبغى أن يكون المشار إليه حينئذ كل واحدة منها لا جميعها من حيث هو جميع لأنه عين السورة فلا يكون للإضافة وجه ولا لتخصيص الوصف بالمضاف إليه حكمة فلا يتأتى ما قصد من مدح المضاف بما للمضاف إليه من صفات الكمال ولأن فى بيان اتصاف كل منها بالكمال من المبالغة ما ليس فى بيان اتصاف الكل بذلك والمتبادر من الكتاب عند الإطلاق وإن كان كله بأحد الوجهين المذكورين لكن صحة إطلاقه على بعضه أيضا مما لا ريب فيها والمعهود المشهور وإن كان اتصاف الكل بأحد الاعتبارين بما ذكر من نعوت الكمال إلا أن شهرة اتصاف كل سورة منه بما اتصف به الكل مما لا ينكر وعليه يدور تحقق مدح السورة بكونها بعضا من القرآن الكريم إذ لو لا أن بعضه منعوت بنعت كله داخل تحت حكمه لما تسنى ذلك وفيه ما لا يخفى من التكلف والتعسف (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً) الهمزة لإنكار تعجبهم ولتعجب السامعين منه لكونه فى غير محله والمراد بالناس كفار مكة وإنما عبر عنهم باسم الجنس من غير تعرض لكفرهم مع أنه المدار لتعجبهم كما تعرض له فى قوله عزوجل (قالَ الْكافِرُونَ) الخ لتحقيق ما فيه الشركة بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتعيين مدار التعجب فى زعمهم ثم تبيين خطئهم وإظهار بطلان زعمهم بإيراد الإنكار والتعجيب واللام متعلقة بمحذوف وقع حالا من عجبا وقيل بعجبا على التوسع المشهور فى الظروف وقيل المصدر إذا كان بمعنى اسم الفاعل أو اسم المفعول جاز تقديم معموله عليه وقيل متعلقة بكان وهو مبنى على دلالة كان الناقصة* على الحدث (أَنْ أَوْحَيْنا) اسم كان قدم عليه خبرها اهتماما بشأنه لكونه مدار الإنكار والتعجيب وتشويقا إلى المؤخر ولأن فى الاسم ضرب تفصيل ففى مراعاة الأصل نوع إخلال بتجاوب أطراف الكلام وقرىء برفع عجب على أنه الاسم وهو نكرة والخبر أن أوحينا وهو معرفة لأن أن مع الفعل فى تأويل المصدر المضاف إلى المعرفة البتة والمختار حينئذ أن تجعل كان تامة وأن أوحينا متعلقا بعجب على حذف حرف التعليل أى أحدث للناس عجب لأن أوحينا أو من أن أوحينا أو بدلا من عجب لكن لا على توجيه الإنكار والتعجيب إلى حدوثه بل إلى كونه عجبا فإن كون الإبدال فى حكم تنحية المبدل منه ليس معناه إهداره بالمرة وإنما قيل للناس لا عند الناس للدلالة على أنهم اتخذوه أعجوبة لهم وفيه من زيادة تقبيح* حالهم ما لا يخفى (إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) أى إلى بشر من جنسهم كقولهم أبعث الله بشرا رسولا أو من أفنائهم