(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٥)
____________________________________
على مواظبتهم على الكفر وتغيير النظم الكريم للإيذان بكمال استحقاقهم للعقاب وأن التعذيب بمعزل عن الانتظام فى سلك العلة الغائية للخلق بدءا وإعادة وإنما يحيق ذلك بالكفرة على موجب سوء اختيارهم وأما المقصود الأصلى من ذلك فهو الإثابة (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً) تنبيه على الاستدلال على وجوده تعالى ووحدته وعلمه وقدرته وحكمته بآثار صنعه فى النيرين بعد التنبيه على الاستدلال بما مر من إبداع السموات والأرض والاستواء على العرش وغير ذلك وبيان لبعض أفراد التدبير الذى أشير إليه إشارة إجمالية وإرشاد إلى أنه حيث دبرت أمورهم المتعلقة بمعاشهم هذا التدبير البديع فلأن يدبر مصالحهم المتعلقة بالمعاد بإرسال الرسول وإنزال الكتاب وتبيين طرائق الهدى وتعيين مهاوى الردى أولى وأحرى والجعل إن جعل بمعنى الإنشاء والإبداع فضياء حال من مفعوله أى خلقها حال كونها ذات ضياء على حذف المضاف أو ضياء محضا للمبالغة وإن جعل بمعنى التصيير فهو مفعوله الثانى أى جعلها ضياء على أحد الوجهين المذكورين لكن لا بعد أن كانت خالية عن تلك الحالة بل أبدعها كذلك كما فى قولهم ضيق فم الركية ووسع أسفلها والضياء مصدر كقيام أو جمع ضوء كسياط وسوط وياؤه منقلبة* من الواو لانكسار ما قبلها وقرىء ضئاء بهمزتين بينهما ألف بتقديم اللام على العين (وَالْقَمَرَ نُوراً) الكلام فيه كالكلام فى الشمس والضياء أقوى من النور وقيل ما بالذات ضوء وما بالعرض نور ففيه إشعار* بأن نوره مستفاد من الشمس (وَقَدَّرَهُ) أى قدر له وهيأ (مَنازِلَ) أو قدر مسيره فى منازل أو قدره ذا منازل على تضمين التقدير معنى التصيير وتخصيص القمر بهذا التقدير لسرعة سيره ومعاينة منازله وتعلق أحكام الشريعة به وكونه عمدة فى تواريخ العرب وقد جعل الضمير لكل منهما وهى ثمانية وعشرون منزلا ينزل القمر كل ليلة فى واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه على تقدير مستو لا يتفاوت يسير فيها من ليلة المستهل إلى الثامنة والعشرين فإذا كان فى آخر منازله دق واستقوس ثم يستسر ليلتين أو ليلة إذا نقص الشهر ويكون مقام الشمس فى كل منزلة منها ثلاثة عشر يوما وهذه المنازل هى مواقع النجوم التى نسبت إليها العرب الأنواء المستمطرة وهى الشرطان والبطين والثريا الدبران الهقعة الهنعة الذراع النثرة الطرف الجبهة الزبرة الصرفة العواء السماك الغفر الزبانى الإكليل القلب الشولة النعائم البلدة سعد الذابح سعد* بلع سعد السعود سعد الأخبية فرغ الدلو المقدم فرغ الدلو المؤخر الرشا وهو بطن الحوت (لِتَعْلَمُوا) إما بتعاقب الليل والنهار المنوطين بطلوع الشمس وغروبها أو باعتبار نزول كل منهما فى تلك المنازل* (عَدَدَ السِّنِينَ) التى يتعلق بها غرض علمى لإقامة مصالحكم الدينية والدنيوية (وَالْحِسابَ) أى حساب الأوقات من الأشهر والأيام والليالى وغير ذلك مما نيط به شىء من المصالح المذكورة وتخصيص العدد بالسنين والحساب بالأوقات لما أنه لم يعتبر فى السنين المعدودة معنى مغاير لمراتب الأعداد كما اعتبر فى