(إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) (٦)
____________________________________
الأوقات المحسوبة وتحقيقه أن الحساب إحصاء ماله كمية انفصالية بتكرير أمثاله من حيث يتحصل بطائفة معينة منها حد معين له اسم خاص وحكم مستقل كالسنة المتحصلة من اثنى عشر شهرا قد تحصل كل من ذلك من ثلاثين يوما قد تحصل كل من ذلك من أربع وعشرين ساعة مثلا والعد مجرد إحصائه بتكرير أمثاله من غير اعتبار أن يتحصل بذلك شىء كذلك ولما لم يعتبر فى السنين المعدودة تحصل حد معين له اسم خاص غير أسامى مراتب الأعداد وحكم مستقل أضيف إليها العدد وتحصل مراتب الأعداد من العشرات والمئات والألوف اعتبارى لا يجدى فى تحصل المعدودة نفعا وحيث اعتبر فى الأوقات المحسوبة تحصل ما ذكر من المراتب التى لها أسام خاصة وأحكام مستقلة علق بها الحساب المنبىء عن ذلك والسنة من حيث تحققها فى نفسها مما يتعلق به الحساب وإنما الذى يتعلق به العد طائفة منها وتعلقه فى ضمن ذلك بكل واحدة من تلك الطائفة ليس من الحيثية المذكورة أعنى حيثية تحصلها من عدة أشهر قد تحصل كل واحد منها من عدة أيام قد حصل كل منها بطائفة من الساعات فإن ذلك وظيفة الحساب بل من حيث إنها فرد من تلك الطائفة المعدودة من غير أن يعتبر معها شىء غير ذلك وتقديم العدد على الحساب مع أن الترتيب بين متعلقيهما وجودا وعلما على العكس لأن العلم المتعلق بعدد السنين علم إجمالى بما تعلق به الحساب تفصيلا وإن لم تتحد الجهة أو لأن العدد من حيث إنه لم يعتبر فيه تحصل أمر آخر حسبما حقق آنفا نازل من الحساب الذى اعتبر فيه ذلك منزلة البسيط من المركب (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ) أى ما ذكر من الشمس والقمر على ما حكى من* الأحوال وفيه إيذان بأن معنى جعلهما على تلك الأحوال والهيئات ليس إلا خلقهما كذلك كما أشير إليه ولا يقدح فى ذلك أن استفادة القمر النور من الشمس أمر حادث فإن المراد بجعله نورا إنما هو جعله بحيث يتصف بالنور عند وجود شرائط الاتصاف به بالفعل (إِلَّا بِالْحَقِّ) استثناء مفرغ من أعم أحوال* الفاعل أو المفعول أى ما خلق ذلك ملتبسا بشىء من الأشياء إلا ملتبسا بالحق مراعيا لمقتضى الحكمة البالغة أو مراعى فيه ذلك وهو ما أشير إليه إجمالا من العلم بأحوال السنين والأوقات المنوط به أمور معاملاتهم وعباداتهم (يُفَصِّلُ الْآياتِ) أى الآيات التكوينية المذكورة أو جميع الآيات فيدخل فيها* الآيات المذكورة دخولا أوليا أو يفصل الآيات التنزيلية المنبهة على ذلك وقرىء بنون العظمة (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) الحكمة فى إبداع الكائنات فيستدلون بذلك على شئون مبدعها جل وعلا أو يعلمون ما فى تضاعيف الآيات المنزلة فيؤمنون بها وتخصيص التفصيل بهم لأنهم المنتفعون به (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) تنبيه آخر إجمالى على ما ذكر أى فى تعاقبهما وكون كل منهما خلقة للآخر بحسب طلوع الشمس وغروبها التابعين لحركات السموات وسكون الأرض أو فى تفاوتهما فى أنفسهما بازدياد كل منهما بانتقاص الآخر وانتقاصه بازدياده باختلاف حال الشمس بالنسبة إلينا قربا وبعدا بحسب الأزمنة أو فى اختلافهما وتفاوتهما بحسب الأمكنة إما فى الطول والقصر فإن البلاد القريبة من القطب