(وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ) (٤٣)
____________________________________
(وَإِنْ كَذَّبُوكَ) أى إن تموا على تكذيبك وأصروا عليه حسبما أخبر عنهم بعد إلزام الحجة بالتحدى* (فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ) أى تبرأ منهم فقد أعذرت كقوله تعالى (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ) والمعنى لى جزاء عملى ولكم جزاء عملكم حقا كان أو باطلا وتوحيد العمل المضاف إليهم باعتبار الاتحاد النوعى ولمراعاة* كمال المقابلة (أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) تأكيد لما أفادته لام الاختصاص من عدم تعدى جزاء العمل إلى غير عامله أى لا تؤاخذون بعملى ولا أؤاخذ بعملكم ولما فيه من إيهام المتاركة وعدم التعرض لهم قيل إنه منسوخ بآية السيف (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) بيان لكونهم مطبوعا على قلوبهم بحيث لا سبيل إلى إيمانهم وإنما جمع الضمير الراجع إلى كلمة من رعاية لجانب المعنى كما أفرد فيما سيأتى محافظة على ظاهر اللفظ ولعل ذلك للإيماء إلى كثرة المستمعين بناء على عدم توقف الاستماع على ما يتوقف عليه النظر من المقابلة وانتفاء الحجاب والظلمة أى ومنهم ناس يستمعون إليك عند قراءتك القرآن* وتعليمك الشرائع (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ) همزة الاستفهام إنكارية والفاء عاطفة وليس الجمع بينهما لترتيب إنكار الإسماع على الاستماع كما هو رأى سيبويه والجمهور على أن يجعل تقديم الهمزة على الفاء لاقتضائها الصدارة كما تقرر فى موضعه بل لإنكار ترتبه عليه حسبما هو المعتاد لكن لا بطريق العطف على الفعل المذكور لأدائه إلى اختلال المعنى لأنه إما صلة أو صفة وأيا ما كان فالعطف عليه يستدعى دخول المعطوف فى حيزه وتوجه الإنكار إليه من تلك الحيثية ولا ريب فى فساده بل بطريق العطف على مقدر مفهوم من فحوى النظم كأنه قيل أيستمعون إليك فأنت تسمعهم لا إنكارا لاستماعهم فإنه أمر محقق بل إنكارا لوقوع الاستماع عقيب ذلك وترتبه عليه حسب العادة الكلية بل نفيا لإمكانه أيضا كما ينبىء* عنه وضع الصم موضع ضميرهم ووصفهم بعدم العقل بقوله تعالى (وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ) أى ولو انضم إلى صممهم عدم عقولهم لأن الأصم العاقل ربما تفرس إذا وصل إلى صماخه صوت وأما إذا اجتمع فقدان السمع والعقل جميعا فقد تم الأمر (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) ويعاين دلائل نبوتك الواضحة (أَفَأَنْتَ) * أى أعقيب ذلك أنت تهديهم وإنما قيل (تَهْدِي الْعُمْيَ) تربية لإنكار هدايتهم وإبرازا لوقوعها فى معرض* الاستحالة وقد أكد ذلك حيث قيل (وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ) أى ولو انضم إلى عدم البصر عدم البصيرة فإن المقصود من الإبصار الاعتبار والاستبصار والعمدة فى ذلك هى البصيرة ولذلك يحدس الأعمى المستبصر ويتفطن لما لا يدركه البصير الأحمق فحيث اجتمع فيهم الحمق والعمى فقد انسد عليهم باب الهدى وجواب لو فى الجملتين محذوف لدلالة قوله تعالى (تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ) عليه وكل منهما معطوفة على