(أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٥)
____________________________________
العذاب وهو تقرير لما سلف من كبر اليوم وتعليل للخوف ولما ألقى إليهم فحوى الكتاب على لسان النبى صلىاللهعليهوسلم وسيق إليهم ما ينبغى أن يساق من الترغيب والترهيب وقع فى ذهن السامع أنهم بعد ما سمعوا مثل هذا المقال الذى تخر له صم الجبال هل قابلوه بالإقبال أم تمادوا فيما كانوا عليه من الإعراض والضلال فقيل مصدرا بكلمة التنبيه إشعارا بأن ما يعقبها من هناتهم أمر يجب أن يفهم ويتعجب منه (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) يزورون عن الحق وينحرفون عنه أى يستمرون على ما كانوا عليه من التولى والإعراض لأن من أعرض عن شىء ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه وهذا معنى جزل مناسب لما سبق وقد بحا نحوه العلامة الزمخشرى ولكن حيث لم يصلح التولى سببا للاستخفاء فى قوله عزوجل (لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) التجأ* إلى إضمار الإرادة حيث قال ويريدون ليستخفوا من الله تعالى فلا يطلع رسوله والمؤمنين على إعراضهم وجعله فى قود المعنى إليه من قبيل الإضمار فى قوله تعالى (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) أى فضرب فانفلق ولا يخفى أن انسياق الذهن إلى توسيط الإرادة بين ثنى الصدور وبين الاستخفاء ليس كانسياقه إلى توسيط الضرب بين الأمر به وبين الانفلاق ولعل الأظهر أن معناه يعطفون صدورهم على ما فيها من الكفر والإعراض عن الحق وعداوة النبى صلىاللهعليهوسلم بحيث يكون ذلك مخفيا مستورا فيها كما تعطف الثياب على ما فيها من الأشياء المستورة وإنما لم يذكر ذلك استهجانا بذكره أو إيماء إلى أن ظهوره مغن عن ذكره أو ليذهب ذهن السامع إلى كل ما لا خير فيه من الأمور المذكورة فيدخل فيه ما ذكر من توليهم عن الحق الذى ألقى إليهم دخولا أوليا فحينئذ يظهر وجه كون ذلك سببا للاستخفاء ويؤيده ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنها نزلت فى الأخنس بن شريق وكان رجلا حلو المنطق حسن السياق للحديث يظهر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم المحبة ويضمر فى قلبه ما يضادها وقال ابن شداد إنها نزلت فى بعض المنافقين كان إذا مر برسول الله صلىاللهعليهوسلم ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كيلا يراه النبى صلىاللهعليهوسلم فكأنه إنما كان يصنع ما يصنع لأنه لورآه النبى صلىاللهعليهوسلم لم يمكنه التخلف عن حضور مجلسه والمصاحبة معه وربما يؤدى ذلك إلى ظهور ما فى قلبه من الكفر والنفاق وقرىء يثنونى صدورهم بالياء والتاء من اثنونى افعوعل من الثنى كاحلولى من الحلاوة وهو بناء مبالغة وعن ابن عباس رضى الله عنهما لتثنونى وقرىء تثنون وأصله تثنونن من تفعوعل من النن وهو ماهش من الكلأ وضعف يريد مطاوعة صدورهم للشى كما يثنى الهش من النبات أو أراد ضعف إيمانهم ورخاوة قلوبهم وقرىء تثنئن من اثنان افعال منه ثم همز كما قيل ابيأضت وادهأمت وقرىء تثنوى بوزن ترعوى (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) * أى يتغطون بها للاستخفاء على ما نقل عن ابن شداد أو حين يأوون إلى فراشهم ويتدثرون بثيابهم فإن ما يقع حينئذ حديث النفس عادة وقيل كان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخى ستره ويحيى ظهره