(إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤)
____________________________________
مصدرية لجواز كون صلتها أمرا أو نهيا كما فى قوله تعالى (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) لأن مدار جواز كونها فعلا إنما هو دلالته على المصدر وهو موجود فيهما ووجوب كونها خبرية فى صلة الموصول الاسمى إنما هو للتوصل إلى وصف المعارف بالجمل وهى لا توصف بها إلا إذا كانت خبرية وأما الموصول الحرفى فليس كذلك ولما كان الخبر والإنشاء فى الدلالة على المصدر سواء ساغ وقوع الأمر والنهى صلة حسبما ساغ وقوع الفعل فيتجرد عند ذلك عن معنى الأمر والنهى نحو تجرد الصلة الفعلية عن معنى المضى* والاستقبال (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) عطف على (اسْتَغْفِرُوا) والكلام فيه كالكلام فيه والمعنى فعل ما فعل من الإحكام والتفصيل لتخصوا الله تعالى بالعبادة وتطلبوا منه ستر ما فرط منكم من الشرك ثم ترجعوا إليه بالطاعة أو تستمروا على ما أنتم عليه من التوحيد والاستغفار أو تستغفروا من الشرك وتتوبوا من المعاصى وعلى الثانى أن مفسرة أى قيل فى أثناء تفصيل الآيات لا تعبدوا إلا الله واستغفروه ثم توبوا إليه والتعرض لوصف الربوبية تلقين للمخاطبين وإرشاد لهم إلى طريق الابتهال فى السؤال وترشيح لما يعقبه من التمتيع* وإيتاء الفضل بقوله تعالى (يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً) أى تمتيعا وانتصابه على أنه مصدر حذف منه الزوائد كقوله تعالى (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) أو على أنه مفعول به وهو اسم لما يتمتع به من منافع الدنيا من الأموال والبنين وغير ذلك والمعنى يعشكم عيشا مرضيا لا يفوتكم فيه شىء مما تشتهون ولا ينقصه شىء* من المكدرات (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) مقدر عند الله عزوجل وهو آخر أعماركم ولما كان ذلك غاية لا يطمح* وراءها طامح جرى التمتيع إليها مجرى التأييد عادة أو لا يهلككم بعذاب الاستئصال (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ) فى الطاعة والعمل (فَضْلَهُ) جزاء فضله إما فى الدنيا أو فى الآخرة وهذه تكملة لما أجمل من التمتيع إلى أجل مسمى وتبيين لما عسى يعسر فهم حكمته من بعض ما يتفق فى الدنيا من تفاوت الحال بين العاملين فرب إنسان له فضل طاعة وعمل لا يمتع فى الدنيا أكثر مما متع آخر دونه فى الفضل وربما يكون المفضول أكثر تمتيعا فقيل ويعط كل فاضل جزاء فضله إما فى الدنيا كما يتفق فى بعض الموارد وإما فى الآخرة وذلك مما* لا مرد له وهذا ضرب تفصيل لما أجمل فيما سبق من البشارة ثم شرع فى الإنذار فقيل (وَإِنْ تَوَلَّوْا) أى تتولوا عما ألقى إليكم من التوحيد والاستغفار والتوبة وإنما أخر عن البشارة جريا على سنن تقدم الرحمة على الغضب أو لأن العذاب قد علق بالتولى عما ذكر من التوحيد والاستغفار والتوبة وذلك يستدعى* سابقة ذكره وقرىء تولوا من ولى (فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) بموجب الشفقة والرأفة أو أتوقع (عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) هو يوم القيامة وصف بالكبر كما وصف بالعظم فى قوله تعالى (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) إما لكونه كذلك فى نفسه أو وصف بوصف ما يكون فيه كما وصف بالثقل فى قوله تعالى (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وقيل يوم الشدائد وقد ابتلوا بقحط أكلوا فيه الجيف وأيا ما كان ففى إضافة العذاب إليه تهويل وتفظيع له (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) رجوعكم بالموت ثم البعث للجزاء فى مثل ذلك اليوم لا إلى غيره* (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيندرج فى تلك الكلية قدرته على أماتتكم ثم بعثكم وجزائكم فيعذبكم بأفانين