(قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) (٤٣)
____________________________________
كَالْجِبالِ) وهو ما ارتفع من الماء عند اضطرا به كل موجة من ذلك كجبل فى ارتفاعها وتراكمها وما قيل من أن الماء طبق ما بين السماء والأرض وكانت السفينة تجرى فى جوفه كالحوت فغير ثابت والمشهور أنه علا شوامخ الجبال خمسة عشر ذراعا أو أربعين ذراعا ولئن صح ذلك فهذا الجريان إنما هو قبل أن يتفاقم* الخطب كما يدل عليه قوله تعالى (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ) فإن ذلك إنما يتصور قبل أن تنقطع العلاقة بين السفينة والبر إذ حينئذ يمكن جريان ما جرى بين نوح عليه الصلاة والسلام وبين ابنه من المفاوضة بالاستدعاء إلى السفينة والجواب بالاعتصام بالجبل وقرىء ابنها وابنه بحذف الألف على أن الضمير لامرأته وكان ربيبه وما يقال من أنه كان لغير رشدة لقوله تعالى (فَخانَتاهُما) فارتكاب عظيمة لا يقادر قدرها فإن جناب الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم وسلامه أرفع من أن يشار إليه بإصبع الطعن وإنما المراد بالخيانة الخيانة فى الدين وقرىء ابناه على الندبة ولكونها حكاية سوغ حذف حرفها وأنت خبير بأنه لا يلائمه الاستدعاء* إلى السفينة فإنه صريح فى أنه لم يقع فى حياته يأس بعد (وَكانَ فِي مَعْزِلٍ) أى فى مكان عزل فيه نفسه عن أبيه وإخوته وقومه بحيث لم يتناوله الخطاب باركبوا واحتاج إلى النداء المذكور وقيل فى معزل عن الكفار قد انفرد عنهم وظن نوح أنه يريد مفارقتهم ولذلك دعاه إلى السفينة وقيل كان ينافق أباه فظن أنه مؤمن وقيل كان يعلم أنه كافر إلى ذلك الوقت لكنه عليه الصلاة والسلام ظن أنه عند مشاهدة تلك الأهوال ينزجر عما كان عليه ويقبل الإيمان وقيل لم يكن الذى تقدم من قوله تعالى (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) نصا فى كون ابنه داخلا تحته بل كان كالمجمل فحملته شفقة الأبوة على ذلك (يا بُنَيَّ) بفتح الياء اقتصارا عليه من الألف المبدلة من ياء الإضافة فى قولك يا بنيا وقرىء بكسر الياء اقتصارا عليه من ياء* الإضافة أو سقطت الياء والألف لالتقاء الساكنين لأن الراء بعدهما ساكنة (ارْكَبْ مَعَنا) قرأ أبو عمرو والكسائى وحفص بإدغام الباء فى الميم لتقاربهما فى المخرج وإنما أطلق الركوب عن ذكر الفلك* لتعينها وللإيذان بضيق المقام حيث حال الجريض دون القريض مع اغناء المعية عن ذلك (وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ) أى فى المكان وهو وجه الأرض خارج الفلك لا فى الدين وإن كان ذلك مما يوجبه كما يوجب ركوبه معه عليه الصلاة والسلام كونه معه فى الإيمان لأنه عليه الصلاة والسلام بصدد التحذير عن الهلكة فلا يلائمه النهى عن الكفر (قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ) من الجبال (يَعْصِمُنِي) بارتفاعه (مِنَ الْماءِ) زعما منه أن ذلك كسائر المياه فى أزمنة السيول المعتادة التى ربما يتقى منها بالصعود إلى الربا وأنى له ذلك وقد بلغ السيل الزبى وجهلا بأن ذلك إنما كان لإهلاك الكفرة وأن لا محيص من ذلك سوى الالتجاء إلى ملجأ المؤمنين فلذلك أراد عليه الصلاة والسلام أن يبين له حقيقة الحال ويصرفه عن ذلك الفكر المحال وكان مقتضى الظاهر أن يجيب بما ينطبق عليه كلامه ويتعرض لنفى ما أثبته للجبل من كونه عاصما له من الماء بأن