(وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٤٤)
____________________________________
يقول لا يعصمك منه مفيدا لنفى وصف العصمة عنه فقط من غير تعرض لنفيه عن غيره ولا لنفى الموصوف أصلا لكنه عليه الصلاة والسلام حيث (قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) سلك طريقة نفى الجنس المنتظم* لنفى جميع أفراد العاصم ذاتا وصفة كما فى قولهم ليس فيه داع ولا مجيب أى أحد من الناس للمبالغة فى نفى كون الجبل عاصما بالوجهين المذكورين وزاد اليوم للتنبيه على أنه ليس كسائر الأيام التى تقع فيها الوقائع وتلم فيها الملمات المعتادة التى ربما يتخلص من ذلك بالالتجاء إلى بعض الأسباب العادية وعبر عن الماء فى محل إضماره بأمر الله أى عذابه الذى أشير إليه حيث قيل حتى إذا جاء أمرنا تفخيما لشأنه وتهويلا لأمره وتنبيها لابنه على خطئه فى تسميته ماء ويوهم أنه كسائر المياه التى يتفصى منها بالهرب إلى بعض المهارب المعهودة وتعليلا للنفى المذكور فإن أمر الله لا يغالب وعذابه لا يرد وتمهيدا لحصر العصمة فى جناب الله عز جاره بالاستثناء كأنه قيل لا عاصم من أمر الله إلا هو وإنما قيل (إِلَّا مَنْ رَحِمَ) تفخيما لشأنه الجليل* بالإبهام ثم التفسير وبالإجمال ثم التفصيل وإشعارا بعلية رحمته فى ذلك بموجب سبقها على غضبه وكل ذلك لكمال عنايته عليه الصلاة والسلام بتحقيق ما يتوخاه من نجاة ابنه ببيان شأن الداهية وقطع أطماعه الفارغة وصرفه عن التعلل بما لا يغنى عنه شيئا وإرشاده إلى العياذ بالمعاذ الحق عز حماه وقيل لا مكان يعصم من أمر الله إلا مكان من رحمهالله وهو الفلك وقيل معنى لا عاصم لا ذا عصمة إلا من رحمهالله تعالى (وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ) أى بين نوح وبين ابنه فانقطع ما بينهما من المجاوبة لا بين ابنه وبين الجبل لقوله تعالى* (فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) إذ هو إنما يتفرع على حيلولة الموج بينه عليه الصلاة والسلام وبين ابنه لا بينه وبين الجبل* لأنه بمعزل من كونه عاصما وإن لم يحل بينه وبين الملتجىء إليه موج وفيه دلالة على هلاك سائر الكفرة على أبلغ وجه فكان ذلك أمرا مقرر الوقوع غير مفتقر إلى البيان وفى إيراد كان دون صار مبالغة فى كونه منهم (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي) أى انشفى استعير له من ازرداد الحيوان ما يأكله للدلالة على أن ذلك ليس كالنشف المعتاد التدريجى (ماءَكِ) أى ما على وجهك من ماء الطوفان دون المياه المعهودة فيها من العيون* والأنهار وعبر عنه بالماء بعد ما عبر عنه فيما سلف بأمر الله تعالى لأن المقام مقام النقص والتقليل لا مقام التفخيم والتهويل (وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) أى أمسكى عن إرسال المطر يقال أقلعت السماء إذا انقطع مطرها وأقلعت* الحمى أى كفت (وَغِيضَ الْماءُ) أى نقص ما بين السماء والأرض من الماء (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) أى أنجز ما وعد الله* تعالى نوحا من إهلاك قومه وإنجائه بأهله أو أتم الأمر (وَاسْتَوَتْ) أى استقرت الفلك (عَلَى الْجُودِيِّ) هو* جبل بالموصل أو بالشأم أو بآمل. روى أنه عليه الصلاة والسلام ركب فى الفلك فى عاشر رجب ونزل عنها فى عاشر المحرم فصام ذلك اليوم شكرا فصار سنة (وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أى هلاكا لهم والتعرض* لوصف الظلم للإشعار بعليته للهلاك ولتذكيره ما سبق من قوله تعالى (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ