(إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (٧٥) يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (٧٦) وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ) (٧٧)
____________________________________
الخوف ومجىء السرور للمجادلة المدلول عليها بقوله تعالى (يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) أى جادل رسلنا فى* شأنهم وعدل إلى صيغة الاستقبال لاستحضار صورتها أو طفق يجادلنا ظاهرة وأما إن فسرت ببشارة الولد أو بما يعمها فلعل سببيتها لها من حيث إنها تفيد زيادة اطمئنان قلب بسلامته وسلامة أهله كافة ومجادلته إياهم أنه قال لهم حين قالوا له (إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) أرأيتم لو كان فيها خمسون رجلا من المؤمنين أتهلكونها قالوا لا قال فأربعون قالوا لا قال فثلاثون قالوا لا حتى بلغ العشرة قالوا لا قال أرأيتم إن كان فيها رجل مسلم أتهلكونها قالوا لا فعند ذلك (قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ) إن قيل المتبادر من هذا الكلام أن يكون إبراهيم عليهالسلام قد علم أنهم مرسلون لإهلاك قوم لوط قبل ذهاب الروع عن نفسه ولكن لم يقدر على مجادلتهم فى شأنهم لاشتغاله بشأن نفسه فلما ذهب عنه الروع فرغ لها مع أن ذهاب الروع إنما هو قبل العلم بذلك لقوله تعالى (قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ) قلنا كان لوط عليهالسلام على شريعة إبراهيم عليهالسلام وقومه مكلفين بها فلما رأى من الملائكة ما رأى خاف على نفسه وعلى كافة أمته التى من جملتهم قوم لوط ولا ريب فى تقدم هذا الخوف على قولهم (لا تَخَفْ) وأما الذى علمه عليهالسلام بعد النهى عن الخوف فهو اختصاص قوم لوط بالهلاك لا دخولهم تحت العموم فتأمل والله الموفق (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ) غير عجول على الانتقام ممن أساء إليه (أَوَّاهٌ) كثير التأوه على الذنوب والتأسف على الناس (مُنِيبٌ) راجع إلى الله تعالى والمقصود بتعداد صفاته الجميلة المذكورة* بيان ما حمله عليهالسلام على ما صدر عنه من المجادلة (يا إِبْراهِيمُ) أى قالت الملائكة يا إبراهيم (أَعْرِضْ عَنْ هذا) الجدال (إِنَّهُ) أى الشأن (قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) أى قدره الجارى على وفق قضائه الأزلى الذى* هو عبارة عن الإرادة الأزلية والعناية الإلهية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب خاص حسب تعلقها بالأشياء فى أوقاتها وهو المعبر عنه بالقدر (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) لا بجدال ولا بدعاء ولا بغيرهما* (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً) قال ابن عباس رضى الله عنهما انطلقوا من عند إبراهيم عليهالسلام إلى لوط عليهالسلام وبين القريتين أربعة فراسخ ودخلوا عليه فى صور غلمان مرد حسان الوجوه فلذلك (سِيءَ بِهِمْ) أى ساءه مجيئهم لظنه أنهم أناس فخاف أن يقصدهم قومه ويعجز عن مدافعتهم وقرأ نافع وابن عامر والكسائى وأبو عمر وسىء وسيئت بإشمام السين الضم. روى أن الله تعالى قال للملائكة لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات فلما مشى معهم منطلقا بهم إلى منزله قال لهم أما بلغكم أمر هذه القرية قالوا وما أمرها قال أشهد بالله إنها لشر قرية فى الأرض عملا يقول ذلك أربع مرات فدخلوا معه منزله ولم يعلم بذلك أحد فخرجت امرأته فأخبرت به قومها وقالت فى بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم