(يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (١٠٧)
____________________________________
نُؤَخِّرُهُ) أى ذلك اليوم الملحوظ بعنوانى الجمع والشهود (إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ) إلا لانقضاء مدة* قليلة مضروبة حسبما تقتضيه الحكمة (يَوْمَ يَأْتِ) أى حين يأتى ذلك اليوم المؤخر بانقضاء أجله كقوله تعالى أن تأتيهم الساعة وقيل يوم يأتى الجزاء الواقع فيه وقيل أى الله عزوجل فإن المقام مقام تفخيم شأن اليوم وقرىء بإثبات الياء على الأصل (لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ) أى لا تتكلم بما ينفع وينجى من جواب أو* شفاعة وهو العامل فى الظرف أو الانتهاء المحذوف فى قوله تعالى (إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ) أى ينتهى الأجل يوم يأتى أو المضمر المعهود أعنى اذكر (إِلَّا بِإِذْنِهِ) عز سلطانه فى التكلم كقوله تعالى (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) وهذا فى موطن من مواطن ذلك اليوم وقوله عزوجل (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) فى موقف آخر من مواقفه كما أن قوله سبحانه (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) فى آخر منها أو المأذون فيه الجوابات الحقة والممنوع عنه الأعذار الباطلة نعم قد يؤذن فيها أيضا لإظهار بطلانها كما فى قول الكفرة (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) ونظائره (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ) وجبت له النار بموجب الوعيد* (وَسَعِيدٌ) أى ومنهم سعيد حذف الخبر لدلالة الأول عليه وهو من وجبت له الجنة بمقتضى الوعد* والضمير لأهل الموقف المدلول عليهم بقوله لا تكلم نفس أو للناس وتقديم الشقى على السعيد لأن المقام مقام التحذير والإنذار (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) أى سبقت لهم الشقاوة (فَفِي النَّارِ) أى مستقرون فيها (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) الزفير إخراج النفس والشهيق رده واستعمالهما فى أول النهيق وآخره قال الشماخ بصف حمار الوحش[بعيد مدى التطريب أول صوته * زفير ويتلوه شهيق محشرج] والمراد بهما وصف شدة كربهم وتشبيه حالهم بحال من استولت على قلبه الحرارة وانحصر فيه روحه أو تشبيه صراخهم بأصوات الحمير وقرىء شقوا بالضم والجملة مستأنفة كأن سائلا قال ما شأنهم فيها فقيل لهم فيها كذا وكذا أو منصوبة المحل على الحالية من النار أو من الضمير فى الجار والمجرور كقوله عز اسمه (خالِدِينَ فِيها) خلا أنه إن أريد حدوث كونهم فى النار فالحال مقدرة (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) أى مدة دوامهما وهذا التوقيت* عبارة عن التأييد ونفى الانقطاع بناء على منهاج قول العرب مادام تعار وما أقام ثبير وما لاح كوكب وما اختلف الليل والنهار وما طما البحر وغير ذلك من كلمات التأييد لا تعليق قرارهم فيها بدوام هذه السموات والأرض فإن النصوص القاطعة دالة على تأييد قرارهم فيها وانقطاع دوامهما وإن أريد التعليق فالمراد سموات الآخرة وأرضها كما يدل على ذلك النصوص كقوله تعالى (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) وقوله تعالى (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) وجزم كل أحد بأن أهل الآخرة