(قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) (١٣)
____________________________________
عليهم ذلك تأليفا لقلبهم وتوجيها لهم إلى رأيه وحذرا من نسبتهم له إلى التحكم والافتيات أو إن كنتم فاعلين ما أزمعتم عليه من إزالته من عند أبيه لا محالة ولما كان هذا مظنة لسؤال سائل يقول فما فعلوا بعد ذلك هل قبلوا ذلك منه أولا أجيب بطريق الاستئناف على وجه أدرج فى تضاعيفه قبولهم له بما سيجىء من قوله وأجمعوا أن يجعلوه فى غيابة الجب فقيل (قالُوا يا أَبانا) خاطبوه بذلك تحريكا لسلسلة النسب بينه وبينهم وتذكيرا لرابطة الأخوة بينهم وبين يوسف عليه الصلاة والسلام ليتسببوا بذلك إلى استنزاله عليهالسلام عن رأيه فى حفظه منهم لما أحس منهم بأمارات الحسد والبغى فكأنهم قالوا (ما لَكَ) أى أى شىء لك* (لا تَأْمَنَّا) أى لا تجعلنا أمناء (عَلى يُوسُفَ) مع أنك أبونا ونحن بنوك وهو أخونا (وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) * مريدون له الخير ومشفقون عليه ليس فينا ما يخل بالنصيحة والمقة قط والقراءة المشهورة بالإدغام والإشمام وعن نافع رضى الله عنه ترك الإشمام ومن الشواذ ترك الإدغام (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً) إلى الصحراء (يَرْتَعْ) أى يتسع فى أكل الفواكه ونحوهما فإن الرتع هو الاتساع فى الملاذ (وَيَلْعَبْ) بالاستباق* والتناضل ونظائرهما مما يعد من باب التأهب للغزو وإنما عبروا عن ذلك باللعب لكونه على هيئته تحقيقا لما راموه من استصحاب يوسف عليهالسلام بتصويرهم له بصورة ما يلائم حاله عليهالسلام وقرىء نرتع ونلعب بالنون وقرأ ابن كثير نرتع من ارتعى ونافع بالكسر والياء فيه وفى يلعب وقرىء يرتع من أرتع ماشيته ويرتع بكسر العين ويلعب بالرفع على الابتداء (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) من أن يناله مكروه أكدوا* مقالتهم بأصناف التأكيد من إيراد الجملة اسمية وتحليتها بأن واللام وإسناد الحفظ إلى كلهم وتقديم له على الخبر احتيالا فى تحصيل مقصدهم (قالَ) استئناف مبنى على سؤال من يقول فماذا قال يعقوب عليهالسلام فقيل قال (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي) اللام للابتداء كما فى قوله عزوجل (إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ (أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) لشدة* مفارقته على وقلة صبرى عنه (وَ) مع ذلك (أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) لأن الأرض كانت مذأبة والحزن* ألم القلب بفوت المحبوب والخوف انزعاج النفس لنزول المكروه ولذلك أسند الأول إلى الذهاب به المفوت لاستمرار مصاحبته ومواصلته ليوسف والثانى إلى ما يتوقع نزوله من أكل الذئب وقيل رأى فى المنام أنه قد شد عليه عليهالسلام ذئب وكان يحذره فقال ذلك وقد لقنهم العلة [إن البلاء موكل بالمنطق] وقرأ ابن كثير ونافع فى رراية البزى بالهمزة على الأصل وأبو عمرو به وقفا وعاصم وابن عامر وحمزة درجا وقيل اشتقاقه من تذاءبت الريح إذا هاجت من كل جانب وقال الأصمعى الأمر بالعكس وهو أظهر لفظا ومعنى (وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) لاشتغالكم بالرتع واللعب أو لقلة اهتمامكم بحفظه.