بالأعيان أى قصدتها وعزمت عليها عزما جازما لا يلو بها عنه صارف بعد ما باشرت مباديها وفعلت ما فعلت من المراودة وتغليق الأبواب ودعوته عليهالسلام إلى نفسها بقولها هيت لك ولعلها تصدت هنالك لأفعال أخر من بسط يدها إليه وقصد المعانقة وغير ذلك مما يضطره عليهالسلام إلى الهرب نحو الباب والتأكيد لدفع ما عسى يتوهم من احتمال إقلاعها عما كانت عليه بما فى مقالته عليهالسلام من* الزواجر (وَهَمَّ بِها) بمخالطتها أى مال إليها بمقتضى الطبيعة البشرية وشهوة الشباب وقرمه ميلا جبليا لا يكاد يدخل تحت التكليف لا أنه قصدها قصدا اختياريا ألا يرى إلى ما سبق من استعصامه المنبىء عن كمال كراهيته له ونفرته عنه وحكمه بعدم إفلاح الظالمين وهل هو إلا تسجيل باستحالة صدور الهم منه عليهالسلام تسجيلا محكما وإنما عبر عنه بالهم لمجرد وقوعه فى صحبة همها فى الذكر بطريق المشاكلة لا لشبهه به كما قيل ولقد أشير إلى تباينهما حيث لم يلزا فى قرن واحد من التعبير بأن قيل ولقدهما بالمخالطة أو هم كل منهما بالآخر وصدر الأول بما يقرر وجوده من التوكيد القسمى وعقب الثانى بما يعفو أثره من قوله* عزوجل (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) أى حجته الباهرة الدالة على كمال قبح الزنى وسوء سبيله والمراد برؤيته لها كمال إيقانه بها ومشاهدته لها مشاهدة واصلة إلى مرتبة عين اليقين الذى تنجلى هناك حقائق الأشياء بصورها الحقيقية وتنخلع عن صورها المستعارة التى بها تظهر فى هذه النشأة على ما نطق به قوله صلىاللهعليهوسلم حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات وكأنه عليهالسلام قد شاهد الزنى بموجب ذلك البرهان النير على ما هو عليه فى حد ذاته أقبح ما يكون وأوجب ما يجب أن يحذر منه ولذلك فعل ما فعل من الاستعصام والحكم بعدم إفلاح من يرتكبه وجواب لولا محذوف يدل عليه الكلام أى لو لا مشاهدته برهان ربه فى شأن الزنى لجرى على موجب ميله الجبلى ولكنه حيث كان مشاهدا له من قبل استمر على ما هو عليه من قضية البرهان وفائدة هذه الشرطية بيان أن امتناعه عليهالسلام لم يكن لعدم مساعدة من جهة الطبيعة بل لمحض العفة والنزاهة مع وفور الدواعى الداخلية وترتب المقدمات الخارجية الموجبة لظهور الأحكام الطبيعية هذا وقد نص أئمة الصناعة على أن لولا فى أمثال هذه المواقع جار من حيث المعنى لا من حيث الصيغة مجرى التقييد للحكم المطلق كما فى مثل قوله تعالى (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) فلا يتحقق هناك هم أصلا وقد جوز أن يكون وهم بها جواب لو لا جريا على قاعدة الكوفيين فى جواز التقديم فالهم حينئذ على معناه الحقيقى فالمعنى لولا أنه قد شاهد برهان ربه لهم بها كما همت به ولكن حيث انتفى عدم المشاهدة بدليل استعصامه وما يتفرع عليه انتفى الهم رأسا هذا وقد فسر همه عليهالسلام بأنه عليهالسلام حل الهيمان وجلس مجلس الختان وبأنه حل تكة سراويله وقعد بين شعبها ورؤبته للبرهان بأنه سمع صوتا إياك وإياها فلم يكترث ثم وثم إلى أن تمثل له يعقوب عليهالسلام عاضا على أنملته وقيل ضرب على صدره فخرجت شهوته من أنامله وقيل بدت كف فيما بينهما ليس فيها عضد ولا معصم مكتوب فيها (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ) فلم ينصرف ثم رأى فيها (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) فلم ينته ثم رأى فيها (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) فلم ينجع فقال الله عزوجل لجبريل أدرك عبدى قبل أن يصيب الخطيئة فانحط جبريل عليهالسلام وهو يقول يا يوسف أتعمل عمل