(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (٢٤)
____________________________________
ما يفعل المخادع لصاحبه عن شىء لا يريد إخراجه من يده وهو يحتال أن يأخذه منه وهى عبارة عن التمحل فى مواقعته إياها والعدول عن التصريح باسمها للمحافظة على السر أو للاستهجان بذكره وإيراد الموصول لتقرير المراودة فإن كونه فى بيتها مما يدعو إلى ذلك قيل لواحدة ما حملك على ما أنت عليه مما لا خير فيه قالت قرب الوساد وطول السواد ولإظهار كمال نزاهته عليهالسلام فإن عدم ميله إليها مع دوام مشاهدته لمحاسنها واستعصاءه عليها مع كونه تحت ملكتها ينادى بكونه عليهالسلام فى أعلى معارج العفة والنزاهة (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) قيل كانت سبعة ولذلك جاء الفعل بصيغة التفعيل دون الإفعال وقيل للمبالغة فى* الإيثاق والإحكام (وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) قرىء بفتح الهاء وكسرها مع فتح التاء وبناؤه كبناء أين وعيط* وهيت كجير وهيت كحيث اسم فعل معناه أقبل وبادر واللام للبيان أى لك اقول هذا كما فى هلم لك وقرىء هئت لك على صيغة الفعل بمعنى تهيأت يقال هاء يهيىء كجاء يجىء إذا تهيأ وهيئت لك واللام صلة للفعل (قالَ مَعاذَ اللهِ) أى أعوذ بالله معاذا مما تدعيننى إليه وهذا اجتناب منه على أتم الوجوه وإشارة إلى* التعليل بأنه منكر هائل يجب أن يعاذ بالله تعالى للخلاص منه وما ذاك إلا لأنه عليهالسلام قد شاهده بما أراه الله تعالى من البرهان النير على ما هو عليه فى حد ذاته من غاية القبح ونهاية السوء وقوله عزوجل (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) تعليل للامتناع ببعض الأسباب الخارجية مما عسى يكون مؤثرا عندها وداعيا* لها إلى اعتباره بعد التنبيه على سببه الذاتى الذى لا تكاد تقبله لما سولته لها نفسها والضمير للشأن ومدار وضعه موضعه ادعاء شهرته المغنية عن ذكره وفائدة تصدير الجملة به الإيذان بفخامة مضمونها مع ما فيه من زيادة تقريره فى الذهن فإن الضمير لا يفهم منه من أول الأمر إلا شأن مبهم له خطر فيبقى الذهن مترقبا لما يعقبه فيتمكن عند وروده له فضل تمكن فكأنه قيل إن الشأن الخطير هذا وهو ربى أى سيدى العزيز أحسن مثواى أى أحسن تعهدى حيث أمرك بإكرامى فكيف يمكن أن أسىء إليه بالخيانة فى حرمه وفيه إرشاد لها إلى رعاية حق العزيز بألطف وجه وقيل الضمير لله عزوجل و (رَبِّي) خبر إن و (أَحْسَنَ مَثْوايَ) خبر ثان أو هو الخبر والأول بدل من الضمير والمعنى أن الحال هكذا فكيف أعصيه بارتكاب تلك الفاحشة الكبيرة وفيه تحذير لها من عقاب الله عزوجل وعلى التقديرين ففى الاقتصار على ذكر هذه الحالة من غير تعرض لاقتضائها الامتناع عما دعته إليه إيذان بأن هذه المرتبة من البيان كافية فى الدلالة على استحالته وكونه مما لا يدخل تحت الوقوع أصلا وقوله تعالى (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) تعليل للامتناع* المذكور رغب تعليل والفلاح الظفر وقيل البقاء فى الخير ومعنى أفلح دخل فيه كأصبح وأخواته والمراد بالظالمين كل من ظلم كائنا من كان فيدخل فى ذلك المجازون للإحسان بالإساءة والعصاة لأمر الله تعالى دخولا أوليا وقيل الزناة لأنهم ظالمون لأنفسهم وللمزنى بأهله (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) بمخالطته إذا لهم لا يتعلق