(وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٢٣)
____________________________________
* جزاء لعمله عليهالسلام حيث قال (وَكَذلِكَ) أى مثل ذلك الجزاء العجيب (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أى كل من يحسن فى عمله فيجب أن يكون ذلك بعد انقضاء أعماله الحسنة التى من جملتها معاناة الأحزان والشدائد وقد فسر العلم بعلم تأويل الأحاديث ولا صحة له إلا أن يخص بعلم تأويل رؤيا الملك فإن ذلك حيث كان عند تناهى أيام البلاء صح أن يعد إيتاؤه من جملة الجزاء وأما رؤيا صاحبى السجن فقد لبث عليهالسلام بعد تعبيرها فى السجن بضع سنين وفى تعليق الجزاء المذكور بالمحسنين إشعار بعلية الإحسان له وتنبيه على أنه سبحانه إنما آتاه ما آتاه لكونه محسنا فى أعماله متقيا فى عنفوان أمره (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها) رجوع إلى شرح ما جرى عليه فى منزل العزيز بعد ما أمر امرأته بإكرام مثواه وقوله تعالى (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ) إلى هنا اعتراض جىء به أنموذجا للقصة ليعلم السامع من أول الأمر أن ما لقيه عليهالسلام من الفتن التى ستحكى بتفاصيلها له غاية جميلة وعاقبة حميدة وأنه عليهالسلام محسن فى جميع أعماله لم يصدر عنه فى حالتى السراء والضراء ما يخل بنزاهته ولا يخفى أن مدار حسن التخليص إلى هذا الاعتراض قبل تمام الآية الكريمة إنما هو التمكين البالغ المفهوم من كلام العزيز فإدراج الإنجاء السابق تحت الإشارة بذلك فى قوله تعالى (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا) كما فعله الجمهور ناء من التقريب فتأمل والمراودة المطالبة من راد يرود إذا جاء وذهب لطلب شىء ومنه الرائد لطلب الماء والكلا وهى مفاعلة من واحد نحو مطالبة الدائن ومماطلة المديون ومداواة الطبيب ونظائرها مما يكون من أحد الجانبين الفعل ومن الآخر سببه فإن هذه الأفعال وإن كانت صادرة عن أحد الجانبين لكن لما كانت أسبابها صادرة عن الجانب الآخر جعلت كأنها صادرة عنهما وهذا باب لطيف المسلك مبنى على اعتبار دقيق تحقيقه أن سبب الشىء يقام مقامه ويطلق عليه اسمه كما فى قولهم كما تدين تدان أى كما تجزى تجزى فإن فعل البادى وإن لم يكن جزاء لكنه لكونه سببا للجزاء أطلق عليه اسمه وكذلك إرادة القيام إلى الصلاة وإرادة قراءة القرآن حيث كانتا سببا للقيام والقراءة عبر عنهما بهما فقيل إذا قمتم إلى الصلاة فإذا قرأت القرآن وهذه قاعدة مطردة مستمرة ولما كانت أسباب الأفعال المذكورة فيما نحن فيه صادرة عن الجانب المقابل لجانب فاعلها فإن مطالبة الدائن للمماطلة التى هى من جانب الغريم وهى منه للمطالبة التى هى من جانب الدائن وكذا مداواة الطبيب للمرض الذى هو من جانب المريض وكذلك مراودتها فيما نحن فيه لجمال يوسف عليهالسلام نزل صدورها عن محالها بمنزلة صدور مسبباتهما التى هى تلك الأفعال فبنى الصيغة على ذلك وروعى جانب الحقيقة بأن أسند الفعل إلى الفاعل وأوقع على صاحب السبب فتأمل ويجوز أن يراد بصيغة المغالبة مجرد المبالغة وقيل الصيغة على بابها بمعنى أنها طلبت منه الفعل وهو منها الترك ويجوز أن يكون من* الرويد وهو الرفق والتحمل وتعديتها بعن لتضمينها معنى المخادعة فالمعنى خادعته (عَنْ نَفْسِهِ) أى فعلت