(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٥٣)
____________________________________
المعروفين بالإهلاك بسبب جرائمهم لزيادة تقبيح حالهم وللتنبيه على أن ذلك سنة مطردة فيما بين الأمم المهلكة أى شأنهم الذى استمروا عليه مما فعلوا وفعل بهم من الأخذ كدأب آل فرعون المشهورين* بقباحة الأعمال وفظاعة العذاب والنكال (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أى من قبل آل فرعون من الأمم التى فعلوا من المعاصى ما فعلوا ولقوا من العقاب ما لقوا كقوم نوح وعاد وأضرابهم من أهل الكفر والعناد* وقوله تعالى (كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) تفسير لدأبهم الذى فعلوه لا لدأب آل فرعون ونحوهم كما قبل فإن ذلك* معلوم منه بقضية التشبيه وقوله تعالى (فَأَخَذَهُمُ اللهُ) تفسير لدأبهم الذى فعل بهم والفاء لبيان كونه من* لوازم جناياتهم وتبعاتها المتفرعة عليها وقوله تعالى (بِذُنُوبِهِمْ) لتأكيد ما أفاده الفاء من السببية مع الإشارة إلى أن لهم مع كفرهم ذنوبا أخر لها دخل فى استتباع العقاب ويجوز أن يكون المراد بذنوبهم معاصيهم المتفرعة على كفرهم فتكون الباء للملابسة أى فأخذهم ملتبسين بذنوبهم غير تائبين عنها فدأبهم مجموع ما فعلوا وفعل بهم لا ما فعلوه فقط كما قيل قال ابن عباس رضى الله عنهما إن آل فرعون أيقنوا أن موسى عليهالسلام نبى الله فكذبوه كذلك هؤلاء جاء محمد صلىاللهعليهوسلم بالصدق فكذبوه فأنزل الله تعالى بهم عقوبته كما أنزل بآل فرعون وجعل العذاب من جملة دأبهم مع أنه ليس مما يتصور مداومتهم عليه واعتيادهم إياه كما هو المعتبر فى مدلول الدأب إما لتغليب ما فعلوه على ما فعل بهم أو لتنزيل مداومتهم على ما يوجبه* من الكفر والمعاصى منزلة مداومتهم عليه لما بينهما من الملابسة التامة وقوله تعالى (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) اعتراض مقرر لمضمون ما قبله من الأخذ وقوله تعالى (ذلِكَ) الخ استئناف مسوق لتعليل ما يفيده النظم الكريم من كون ما حل بهم من العذاب منوطا بأعمالهم السيئة غير واقع بلا سابقة ما يقتضيه وهو المشار إليه لا نفس ما حل بهم من العذاب والانتقام كما قيل فإنه مع كونه معللا بما ذكر من كفرهم وذنوبهم لا يتصور تعليله بجريان عادته تعالى على عدم تغيير نعمته على قوم قبل تغييرهم لحالهم وتوهم أن السبب ليس ما ذكر كما هو منطوق النظم الكريم بل ما يستفاد من مفهوم الغاية من جريان عادته تعالى على تغيير نعمتهم عند تغيير حالهم بناء على تخيل أن المعلل ترتب عقابهم على كفرهم من غير تخلف عنه ركوب شطط هائل وإبعاد عن الحق بمراحل وتهوين لأمر الكفر بآيات الله وإسقاط له عن رتبة إيجاب العقاب فى مقام تهويله والتحذير منه فالمعنى ذلك أى ترتب العقاب على أعمالهم السيئة دون أن* يقع ابتداء مع قدرته تعالى على ذلك (بِأَنَّ اللهَ) أى بسبب أنه تعالى (لَمْ يَكُ) فى حد ذاته (مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها) أى لم ينبغ له سبحانه ولم يصح فى حكمته أن يكون بحيث يغير نعمة أنعم بها (عَلى قَوْمٍ) من* الأقوام أى نعمة كانت جلت أو هانت (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) من الأعمال والأحوال التى كانوا عليها وقت ملابستهم بالنعمة ويتصفوا بما ينافيها سواء كانت أحوالهم السابقة مرضية صالحة أو قريبة من