(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (٥٥)
____________________________________
* مستعملة للقوى والآلات فى تحصيلها بل إنما ذلك بتوفيق الله تعالى وعصمته ورحمته كما يفيده قوله (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) من النفوس التى يعصمها من الوقوع فى المهالك ومن جملتها نفسى أو هى أمارة بالسوء فى كل وقت إلا وقت رحمة ربى وعصمته لها وقيل الاستثناء منقطع أى لكن رحمة ربى هى التى تصرف* عنها السوء كما فى قوله تعالى (وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلَّا رَحْمَةً (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) عظيم المغفرة لما يعترى النفوس بموجب طباعها ومبالغ فى الرحمة لها بعصمتها من الجريان بمقتضى ذلك وإيثار الإظهار فى مقام الإضمار مع التعرض لعنوان الربوبية لتربية مبادى المغفرة والرحمة وقيل إلى هنا من كلام امرأة العزيز والمعنى ذلك الذى قلت ليعلم يوسف عليهالسلام أنى لم أخنه ولم أكذب عليه فى حال الغيبة وجئت بما هو الحق الواقع وما أبرىء نفسى مع ذلك من الخيانة حيث قلت فى حقه ما قلت وفعلت به ما فعلت إن كل نفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربى أى إلا نفسا رحمها الله بالعصمة كنفس يوسف إن ربى غفور لمن استغفر لذنبه واعترف به رحيم له فعلى هذا يكون تأنيه عليهالسلام فى الخروج من السجن لعدم رضاه عليهالسلام بملاقاة الملك وأمره بين بين ففعل ما فعل حتى يتبين نزاهته وأنه إنما سجن بظلم عظيم مع ماله من الفضل ونباهة الشأن ليتلقاه الملك بما يليق به من الإعظام والإجلال وقد وقع (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ) أجعله خالصا (لِنَفْسِي) وخاصا بى (فَلَمَّا كَلَّمَهُ) أى فأتوا به فحذف للإيذان بسرعة الإتيان به فكأنه لم يكن بين الأمر بإحضاره والخطاب معه زمان أصلا والضمير المستكن فى كلمه ليوسف والبارز* للملك أى فلما كلمه يوسف إثر ما أتاه فاستنطقه وشاهد منه ما شاهد (قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ) ذو مكانة* ومنزلة رفيعة (أَمِينٌ) مؤتمن على كل شىء واليوم ليس بمعيار ليس بمعيار لمدة المكانة والأمانة بل هو آن التكلم والمراد تحديد مبدئهما احترازا عن احتمال كونهما بعد حين. روى أنه عليهالسلام لما جاءه الرسول خرج من السجن ودعا لأهله واغتسل ولبس ثيابا جددا فلما دخل على الملك قال اللهم إنى أسألك بخيرك من خيره وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره وشر غيره ثم سلم عليه ودعا له بالعبرانية فقال ما هذا اللسان قال لسان آبائى وكان الملك يعرف سبعين لسانا فكلمه بها فأجابه بجميعها فتعجب منه فقال أحب أن أسمع منك رؤياى فحكاها ونعت له البقرات والسنابل وأماكنها على مارآها فأجلسه على السرير وفوض إليه أمره وقيل توفى قطفير فى تلك الليالى فنصبه منصبه وزوجه راعيل فوجدها عذراء وولدت له إفراييم وميشا ولعل ذلك إنما كان بعد تعيينه عليهالسلام لما عين له من أمر الخزائن كما يعرب عنه قوله عزوجل(قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ) أى أرض مصر أى ولنى أمرها من الإيراد والصرف (إِنِّي حَفِيظٌ) لها ممن* لا يستحقها (عَلِيمٌ) بوجوه التصرف فيها وفيه دليل على جواز طلب الولاية إذا كان الطالب ممن يقدر على إقامة العدل وإجراء أحكام الشريعة وإن كان من يد الجائر أو الكافر وعن مجاهد أنه أسلم الملك على يده