(وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧) وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) (٥٨)
____________________________________
عليهالسلام ولعل إيثاره عليهالسلام لتلك الولاية خاصة إنما كان للقيام بما هو أهم أمور السلطنة إذ ذاك من تدبير أمر السنين حسبما فصل فى التأويل لكونه من فروع تلك الولاية لمجرد عموم الفائدة وجموم العائدة كما قيل وإنما لم يذكر إجابة الملك إلى ما سأله عليهالسلام من جعله على خزائن الأرض إيذانا بأن ذلك أمر لا مرد له غنى عن التصريح به لا سيما بعد تقديم ما يندرج تحته من أحكام السلطنة بحذافيرها من قوله (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) وللتنبيه على أن كل ذلك من الله عزوجل وإنما الملك آلة فى ذلك قيل (وَكَذلِكَ) أى مثل ذلك التمكين البليغ (مَكَّنَّا لِيُوسُفَ) أى جعلنا له مكانا (فِي الْأَرْضِ) أى أرض مصر. روى أنها كانت أربعين فرسخا فى أربعين وفى التعبير عن الجعل المذكور بالتمكين فى الأرض مسندا إلى ضميره عز سلطانه من تشريفه عليهالسلام والمبالغة فى كمال ولايته والإشارة إلى حصول ذلك من أول الأمر لا أنه حصل بعد السؤال مالا يخفى (يَتَبَوَّأُ مِنْها) ينزل من بلادها (حَيْثُ يَشاءُ) ويتخذه* مباءة وهو عبارة عن كمال قدرته على التصرف فيها ودخولها تحت ملكته وسلطانه فكأنها منزله يتصرف فيها كما يتصرف الرجل فى منزله وقرأ ابن كثير بالنون. روى أن الملك توجه وختمه بخاتمة ورداه بسيفه ووضع له سريرا من ذهب مكللا بالدر والياقوت فقال عليهالسلام أما السرير فأشد به ملكك وأما الخاتم فأدبر به أمرك وأما التاج فليس من لباسى ولا لباس آبائى فقال قد وضعته إجلالا لك وإقرارا بفضلك فجلس على السرير ودانت له الملوك وفوض إليه الملك أمره وأقام العدل بمصر وأحبته الرجال والنساء وباع من أهل مصر فى سنى القحط الطعام فى السنة الأولى بالدنانير والدراهم وفى الثانية بالحلى والجواهر وفى الثالثة بالدواب ثم بالضياع والعقار ثم برقابهم حتى استرقهم جميعا فقالوا ما رينا كاليوم ملكا أجل وأعظم منه ثم أعتقهم ورد إليهم أموالهم وكان لا يبيع من أحد من الممتارين أكثر من حمل بعير تقسيطا بين الناس (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا) * بعطائنا فى الدنيا من الملك والغنى وغيرهما من النعم (مَنْ نَشاءُ) بمقتضى الحكمة الداعية إلى المشيئة (وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) بل نوفيه بكماله وفيه إشعار بأن مدار المشيئة المذكورة إحسان من تصببه الرحمة المرقومة وأنها أجر له ولدفع توهم انحصار ثمرات الإحسان فيما ذكر من الأجر العاجل قيل على سبيل التوكيد (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ) أى أجرهم فى الآخرة فالإضافة للملابسة وهو النعيم المقيم الذى لا نفاد له (خَيْرٌ) لهم أى للمحسنين المذكورين وإنما وضع موضعه الموصول فقيل (لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) تنبيها على* ان المراد بالإحسان إنما هو الإيمان والثبات على التقوى المستفاد من جمع صيغتى الماضى والمستقبل (وَجاءَ