(وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٦٨)
____________________________________
بما وصاهم به من التدبير (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ) من الأبواب المتفرقة من البلد قيل كانت له أربعة أبواب فدخلوا منها وإنما أكتفى بذكره لاستلزامه الانتهاء عما نهوا عنه (ما كانَ) ذلك الدخول* (يُغْنِي) فيما سيأتى عند وقوع ما وقع (عَنْهُمْ) عن الداخلين لأن المقصود به استدفاع الضرر عنهم والجمع* بين صيغتى الماضى والمستقبل لتحقيق المقارنة الواجبة بين جواب لما ومدخوله فإن عدم الإغناء بالفعل إنما يتحقق عند نزول المحذور لا وقت الدخول وإنما المتحقق حينئذ ما أفاده الجمع المذكور من عدم كون الدخول المذكور مغنيا فيما سيأتى فتأمل (مِنَ اللهِ) من جهته (مِنْ شَيْءٍ) أى شيئا مما قضاه عليهم مع كونه* مظنة لذلك فى بادى الرأى حيث وصاهم به يعقوب عليهالسلام وعملوا بموجبه واثقين بجدواه من فضل الله تعالى فليس المراد بيان سببية الدخول المذكور لعدم الإغناء كما فى قوله تعالى (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) فإن مجىء النذير هناك سبب لزيادة نفورهم بل بيان عدم سببيته للإغناء مع كونها متوقعة فى بادى الرأى كما فى قولك حلف أن يعطينى حقى عند حلول الأجل فلما حل لم يعطنى شيئا فإن المراد بيان عدم سببية حلول الأجل للإعطاء مع كونها مرجوة بموجب الحلف لا بيان سببيته لعدم الإعطاء فالمآل بيان عدم ترتب الغرض المقصود على التدبير المعهود مع كونه مرجو الوجود لا بيان ترتب عدمه عليه ويجوز أن يراد ذلك أيضا بناء على ما ذكره عليهالسلام فى تضاعيف وصيته من أنه لا يغنى عنهم من الله شيئا فكأنه قيل ولما فعلوا ما وصاهم به لم يفد ذلك شيئا ووقع الأمر حسبما قالعليهالسلام فلقوا مالقوا فيكون من باب وقوع المتوقع فتأمل (إِلَّا حاجَةً) استثناء منقطع أى ولكن حاجة وحرازة كائنة (فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها) أى أظهرها ووصاهم بها دفعا للخاطرة غير معتقد أن للتدبير تأثيرا فى تغيير التقدير وقد جعل ضمير الفاعل فى قضاها للدخول على معنى أن ذلك الدخول قضى حاجة فى نفس يعقوب وهى إرادته أن يكون دخولهم من أبواب متفرقة فالمعنى ما كان ذلك الدخول يغنى عنهم من جهة الله تعالى شيئا ولكن قضى حاجة حاصلة فى نفس يعقوب بوقوعه حسب إرادته فالاستثناء منقطع أيضا وعلى التقديرين لم يكن للتدبير فائدة سوى دفع الخاطرة وأما إصابة العين فإنما لم تقع لكونها غير مقدرة عليهم لا لأنها اندفعت بذلك مع كونها مقتضية عليهم (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ) جليل (لِما عَلَّمْناهُ) لتعليمنا إياه بالوحى ونصب الأدلة حيث لم يعتقد* أن الحذر يدفع القدر وأن التدبير له حظ من التأثير حتى يتبين الخلل فى رأيه عند تخلف الأثر أو حيث بت القول بأنه لا يغنى عنهم من الله شيئا فكان الحال كما قال وفى تأكيد الجملة بإن واللام وتنكير العلم وتعليله بالتعليم المسند إلى ذاته سبحانه من الدلالة على جلالة شأن يعقوب عليهالسلام وعلو مرتبة علمه وفخامته ما لا يخفى (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أسرار القدر ويزعمون أنه يغنى عنه الحذر وأما ما يقال من أن* المعنى لا يعلمون إيجاب الحذر مع أنه لا يغنى شيئا من القدر فيأباه مقام بيان تخلف المطلوب عن المبادى