(وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (٦٧)
____________________________________
محدثا بل مجرد تحققه ووقوعه من غير إخلال به كما فى قولك لأحجن العام إلا أن أحصر فإن مرادك إنما هو الإخبار بعدم منع ما سوى حال الإحصار عن الحج إلا الإخبار بمقارنته لتلك الأحوال على سبيل البدل كما هو مرادك فى مثال الصلاة كان اعتبار الأحوال معه من حيث عدم منعها منه فآل المعنى* إلى التأويل المذكور (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ) عهدهم من الله حسبما أراد يعقوب عليهالسلام (قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ) أى على ما قلنا فى أثناء طلب الموثق وإيتائه من الجانبين وإيثار صيغة الاستقبال لاستحضار* صورته المؤدى إلى تثبتهم ومحافظتهم على تذكره ومراقبته (وَكِيلٌ) مطلع رقيب يريد به عرض ثقته بالله تعالى وحثهم على مراعاة ميثاقهم (وَقالَ) ناصحا لهم لما أزمع على إرسالهم جميعا (يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا) مصر* (مِنْ بابٍ واحِدٍ) نهاهم عن ذلك حذارا من إصابة العين فإنهم كانوا ذوى جمال وشارة حسنة وقد كانوا تجملوا فى هذه الكرة أكثر مما فى المرة الأولى وقد اشتهروا فى مصر بالكرامة والزلفى لدى الملك بخلاف النوبة الأولى فكانوا مئنة لدنو كل ناظر وطموح كل طامح وإصابة العين بتقدير العزيز الحكيم ليست مما ينكر وقد ورد عنه صلىاللهعليهوسلم إن العين حق وعنه صلىاللهعليهوسلم إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر وقد كان صلىاللهعليهوسلم يعوذ الحسنين رضى الله عنهما بقوله أعوذ بكلمات الله التأمة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة وكان صلىاللهعليهوسلم يقول كان أبو كما يعوذ بها إسماعيل وإسحق عليهمالسلام رواه البخارى فى صحيحه وقد شهدت بذلك التجارب ولما لم يكن عدم الدخول من باب واحد مستلزما للدخول من أبواب متفرقة وكان فى دخولهم من بابين أو ثلاثة بعض ما فى الدخول من باب واحد من نوع اجتماع مصحح لوقوع المحذور* قال (وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) بيانا لما هو المراد بالنهى وإنما لم يكتف بهذا الأمر مع كونه مستلزما* له إظهارا لكمال العناية وإيذانا بأنه المراد بالأمر المذكور لا تحقيق لشىء آخر (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ) أى لا* أنفعكم ولا أدفع عنكم بتدبيرى (مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) أى شيئا مما قضى عليكم فإن الحذر لا يمنع القدر ولم يرد به عليهالسلام إلغاء الحذر بالمرة كيف لا وقد قال عز قائلا ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وقال خذوا حذركم بل أراد بيان أن ما وصاهم به ليس مما يستوجب المراد لا محالة بل هو تدبير فى الجملة وإنما التأثير وترتب المنفعة عليه من* العزيز القدير وأن ذلك ليس بمدافعة للقدر بل هو استعانة بالله تعالى وهرب منه إليه (إِنِ الْحُكْمُ) مطلقا (إِلَّا لِلَّهِ) لا يشاركه أحد ولا يمانعه شىء (عَلَيْهِ) لا على أحد سواه (تَوَكَّلْتُ) فى كل ما آتى وأذر وفيه دلالة على* أن ترتيب الأسباب غير مخل بالتوكل (وَعَلَيْهِ) دون غيره (فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) جمع بين الحرفين فى عطف الجملة على الجملة مع تقديم الصلة للاختصاص مقيدا بالواو عطف فعل غيره من تخصيص التوكل بالله عزوجل على فعل نفسه وبإلقاء سببية فعله لكونه نبيا لفعل غيره من المقتدين به فيدخل فيهم بنوه دخولا أوليا وفيه ما لا يخفى من حسن هدايتهم وإرشادهم إلى التوكل فيما هم بصدده على الله عزوجل غير مغترين