(قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (٩٢)
____________________________________
على قفاه ليقتل ففداه الله تعالى وأما أنا فكان لى ابن وكان أحب أولادى إلى فذهب به إخوته إلى البرية ثم أتونى بقميصه ملطخا بالدم فقالوا قد أكله الذئب فذهبت عيناى من بكائى عليه ثم كان لى ابن وكان أخاه من أمه وكنت أتسلى به فذهبوا به ثم رجعوا وقالوا إنه سرق وإنك حبسته وإنا أهل بيت لا نسرق ولا نلد سارقا فإن رددته على وإلا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك والسلام فلما قرأه لم يتمالك وعيل صبره فقال لهم ما قال وقيل لما قرأه بكى وكتب الجواب اصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا (قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) استفهام تقرير ولذلك أكدوه بإن واللام قالوه استغرابا وتعجبا وقرىء إنك بالإيجاب قيل عرفوه بروائه وشمائله حين كلمهم به وقيل تبسم فعرفوه بثناياه وقيل رفع التاج عن رأسه فرأوا علامة بقرنه تشبه الشامة البيضاء وكان لسارة ويعقوب مثلها وقرىء أئنك أو أنت يوسف على* معنى أئنك يوسف أو أنت يوسف فحذف الأول لدلالة الثانى عليه وفيه زيادة استغراب (قالَ أَنَا يُوسُفُ) * جوابا عن مسئلتهم وقد زاد عليه قوله (وَهذا أَخِي) أى من أبوى مبالغة فى تعريف نفسه وتفخيما لشأن* أخيه وتكملة لما أفاده قوله (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) حسبما يفيده قوله (قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) فكأنه قال هل علمتم ما فعلتم بنا من التفريق والإذلال فأما يوسف وهذا أخى قد من الله علينا بالخلاص عما ابتلينا به والاجتماع بعد الفرقة والعزة بعد الذلة والأنس بعد الوحشة ولا يبعد أن يكون فيه إشارة إلى الجواب عن طلبهم لرد بنيامين بأنه أخى لا أخوكم فلا وجه لطلبكم ثم علل ذلك بطريق الاستئناف التعليلى* بقوله (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ) أى يفعل التقوى فى جميع أحواله أو يق نفسه عما يوجب سخط الله تعالى وعذابه* (وَيَصْبِرْ) على المحن أو على مشقة الطاعات أو عن المعاصى التى تستلذها النفس (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أى أجرهم وإنما وضع المظهر موضع المضمر تنبيها على أن المنعوتين بالتقوى والصبر موصوفون بالإحسان (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) اختارك وفضلك علينا بما ذكرت من النعوت الجليلة (وَإِنْ كُنَّا) وإن الشأن كنا (لَخاطِئِينَ) لمتعمدين للذنب إذ فعلنا بك ما فعلنا ولذلك أعزك وأذلنا وفيه إشعار بالتوبة والاستغفار ولذلك (قالَ لا تَثْرِيبَ) أى لا عتب ولا تأنيب (عَلَيْكُمُ) وهو تفعيل من الثرب وهو الشحم الغاشى للكرش ومعناه إزالته كما أن التجليد إزالة الجلد والتقريع إزالة القرع لأنه إذا ذهب كان* ذلك غاية الهزال فضرب مثلا للتقريع الذى يذهب بماء الوجوه وقوله عز وعلا (الْيَوْمَ) منصوب بالتثريب أو بالمقدر خبرا للا أى لا أثر بكم أو لا تثريب مستقر عليكم اليوم الذى هو مظنة له فما ظنكم بسائر الأيام