(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (٦٥)
____________________________________
قول من قال [فحسبك والضحاك عضب مهند] وقيل فى موضع الجر عطفا على الضمير كما هو رأى الكوفيين أى كافيك وكافيهم أو فى محل الرفع عطفا على اسم الله تعالى أى كفاك الله والمؤمنون والآية نزلت فى البيداء فى غزوة بدر قبل القتال وقيل أسلم مع النبى صلىاللهعليهوسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ثم أسلم عمر رضى الله عنه فنزلت ولذلك قال ابن عباس رضى الله عنهما نزلت فى إسلام عمر رضى الله عنه (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ) بعد ما بين كفايته إياهم بالنصر والإمداد أمر صلىاللهعليهوسلم بترتيب مبادى نصره وإمداده وتكرير* الخطاب على الوجه المذكور لإظهار كمال الاعتناء بشأن المأمور به (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) أى بالغ فى حثهم عليه وترغيبهم فيه بكل ما أمكن من الأمور المرغبة التى أعظمها تذكير وعده تعالى بالنصر وحكمه بكفايته تعالى أو بكفايتهم وأصل التحريض الحرض وهو أن ينهكه المرض حتى يشفى على الموت وقال الراغب كأنه فى الأصل إزالة الحرض وهو ما لا خير فيه ولا يعتد به قلت فالأوجه حينئذ أن يجعل الحرض عبارة عن ضعف القلب الذى هو من باب نهك المرض وقيل معنى تحريضهم تسميتهم حرضا بأن يقال إنى أراك فى هذا الأمر حرضا اى محرضا فيه لتهيجه إلى الإقدام وقرىء حرص بالصاد المهملة وهو* واضح (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) وعد كريم منه تعالى بتغليب كل جماعة من المؤمنين* على عشرة أمثالهم بطريق الاستئناف بعد الأمر بتحريضهم وقوله تعالى (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً) مع انفهام مضمونه مما قبله لكون كل منهما عدة بتأييد الواحد على العشرة لزيادة التقرير المفيدة لزيادة الاطمئنان على أنه قد يجرى بين الجمعين القليلين ما لا يجرى بين الجمعين الكثيرين مع أن التفاوت فيما بين كل من الجمعين* القليلين والكثيرين على نسبة واحدة فبين أن ذلك لا يتفاوت فى الصورتين وقوله تعالى (مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بيان للألف وهذا القيد معتبر فى المائتين أيضا وقد ترك ذكره تعويلا على ذكره ههنا كما ترك قيد الصبر* ههنا مع كونه معتبرا حتما ثقة بذكره هناك (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) متعلق بيغلبوا أى بسبب أنهم قوم جهلة بالله تعالى وباليوم الآخر لا يقاتلون احتسابا وامتثالا بأمر الله تعالى وإعلاء لكلمته وابتغاء لرضوانه كما يفعله المؤمنون وإنما يقاتلون للحمية الجاهلية واتباع خطوات الشيطان وإثارة ثائرة البغى والعدوان فلا يستحقون إلا القهر والخذلان وأما ما قيل من أن من لا يؤمن بالله واليوم الآخر لا يؤمن بالميعاد فالسعادة عنده ليست إلا هذه الحياة الدنيوية فيشح بها ولا يعرضها للزوال بمزاولة الحروب واقتحام موارد الخطوب فيميل إلى ما فيه السلامة فيفر فيغلب وأما من اعتقد أن لا سعادة فى هذه الحياة الفانية وإنما السعادة هى الحياة الباقية فلا يبالى بهذه الحياة الدنيا ولا يقيم لها وزنا فيقدم على الجهاد بقلب قوى وعزم صحيح فيقوم الواحد من مثله مقام الكثير فكلام حق لكنه لا يلائم المقام.