(لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٧٠)
____________________________________
* قوله[أكل امرىء تحسبين امرأ * ونار توقد بالليل نارا] (وَاللهُ عَزِيزٌ) يغلب أوليائه على أعدائه (حَكِيمٌ) يعلم ما يليق بكل حال ويخصه بها كما أمر بالإثخان ونهى عن أخذ الفداء حين كانت الشوكة للمشركين وخير بينه وبين المن بقوله تعالى (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) لما تحولت الحال وصارت الغلبة للمؤمنين. روى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتى بسبعين أسيرا فيهم العباس وعقيل بن أبى طالب فاستشار فيهم فقال أبو بكر قومك وأهلك استبقهم لعل الله يتوب عليهم وخذ منهم فدية تقوى أصحابك وقال عمر اضرب أعناقهم فإنهم أئمة الكفر والله أغناك عن الفداء مكن عليا من عقيل وحمزة من العباس ومكنى من فلان نسيب له فلنضرب أعناقهم فقال صلىاللهعليهوسلم إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللين وإن الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال فمن تبعنى فإنه منى ومن عصانى فإنك غفور رحيم ومثلك يا عمر مثل نوح قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا فخير أصحابه فأخذوا الفداء فنزلت فدخل عمر رضى الله عنه على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال يا رسول الله أخبرنى فإن وجدت بكاء بكيت وإلا تباكيت فقال أبكى على أصحابك فى أخذهم الفداء ولقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه وروى أنه صلىاللهعليهوسلم قال لو نزل عذاب من السماء لما نجا غير عمر وسعد بن معاذ وكان هو أيضا ممن أشار بالإثخان (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) أى لو لا حكم منه تعالى سبق إثباته فى اللوح المحفوظ وهو أن لا يعاقب المخطىء فى اجتهاده أو أن لا يعذب أهل بدر أو قوما لم يصرح لهم بالنهى وأما أن الفدية التى أخذوها ستحل لهم فلا يصلح أن يعد من موانع مساس العذاب فإن الحل اللاحق لا يرفع حكم الحرمة السابقة كما أن الحرمة اللاحقة كما فى الخمر مثلا لا ترفع حكم الإباحة السابقة على* أنه قادح فى تهويل مانعى عليهم من أخذ الفداء (لَمَسَّكُمْ) أى لأصابكم (فِيما أَخَذْتُمْ) أى لأجل ما أخذتم من الفداء (عَذابٌ عَظِيمٌ) لا يقادر قدره (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ) روى أنهم أمسكوا عن الغنائم فنزلت قالوا الفاء لترتيب ما بعدها على سبب محذوف أى قد أبحت لكم الغنائم فكلوا مما غنمتم والأظهر أنها للعطف على مقدر يقتضيه المقام أى دعوه فكلوا مما غنمتم وقبل ما عبارة عن الفدية فإنها من جملة الغنائم ويأباه* سباق النظم الكريم وسياقه (حَلالاً) حال من المغنوم أو صفة للمصدر أى أكلا حلالا وفائدته الترغيب* فى أكلها وقوله تعالى (طَيِّباً) صفة لحلالا مفيدة لتأكيد الترغيب (وَاتَّقُوا اللهَ) أى فى مخالفة أمره ونهيه* (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فيغفر لكم ما فرط منكم من استباحة الفداء قبل ورود الإذن فيه ويرحمكم ويتوب عليكم إذا اتقيتموه (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ) أى فى ملكتكم كأن أيديكم قابضة عليهم (مِنَ الْأَسْرى)