(الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) (٢٠)
____________________________________
الجانبين أى أجعلتم أهلهما كمن آمن بالله الخ ويؤيده قراءة من قرأ سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام أو أجعلتموهما كإيمان من آمن الخ وعلى التقديرين فالخطاب إما للمشركين على طريقة الالتفات وهو المتبادر من تخصيص ذكر الإيمان بجانب المشبه به وإما لبعض المؤمنين المؤثرين للسقاية والعمارة ونحوهما على الهجرة والجهاد ونظائرهما وهو المناسب للاكتفاء فى الرد عليهم ببيان عدم مساواتهم عند الله للفريق الثانى وبيان أعظمية درجتهم عند الله تعالى على وجه يشعر بعدم حرمان الأولين بالكلية وجعل معنى التفضيل بالنسبة إلى زعم الكفرة لا يجدى كثير نفع لأنه إن لم يشعر بعدم الحرمان فليس بمشعر بالحرمان أيضا أما على الأول فهو توبيخ للمشركين ومداره على إنكار تشبيه أنفسهم من حيث اتصافهم بوصفيهم المذكورين مع قطع النظر عما هم عليه من الشرك بالمؤمنين من حيث اتصافهم بالإيمان والجهاد أو على إنكار تشبيه وصفيهم المذكورين فى حد ذاتهما مع الإغماض عن مقارنتهما للشرك بالإيمان والجهاد وأما اعتبار مقارنتهما له كما قيل فيأباه المقام كيف لا وقد بين آنفا حبوط أعمالهم بذلك الاعتبار بالمرة وكونها بمنزلة العدم فتوبيخهم بعد ذلك على تشبيههما بالإيمان والجهاد ثم رد ذلك بما يشعر بعدم حرمانهم عن أصل الفضيلة بالكلية كما أشير إليه مما لا يساعده النظم التنزيلى ولو اعتبر ذلك لما احتيج إلى تقرير إنكار التشبيه وتأكيده بشىء آخر إذ لا شىء أظهر بطلانا من تشبيه المعدوم بالموجود فالمعنى أجعلتم أهل السقاية والعمارة فى الفضيلة كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد فى سبيله أو أجعلتموهما فى ذلك كالإيمان والجهاد وشتان بينهما فإن السقاية والعمارة وإن كانتا فى أنفسهما من أعمال البر والخير لكنهما وإن خلتا عن القوادح بمعزل عن صلاحية أن يشبه أهلهما بأهل الإيمان والجهاد أو يشبه نفسهما بنفس الإيمان والجهاد* وذلك قوله عزوجل (لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ) أى لا يساوى الفريق الأول الثانى من حيث اتصاف كل منهما بوصفيهما ومن ضرورته عدم التساوى بين الوصفين الأولين وبين الآخرين لأنه المدار فى التفاوت بين الموصفين وإسناد عدم الاستواء إلى الموصوفين لأن الأهم بيان تفاوتهم وتوجيه النفى ههنا والإنكار فيما سلف إلى الاستواء والتشبيه مع أن دعوى المفتخرين بالسقاية والعمارة من المشركين والمؤمنين إنما هى الإفضلية دون التساوى والتشابه للمبالغة فى الرد عليهم فإن نفى التساوى والتشابه نفى للأفضلية بالطريق الأولى والجملة استئناف لتقرير الإنكار المذكور وتأكيده أو حال من مفعولى الجعل والرابط هو الضمير* كأنه قيل أسويتم بينهم حال كونهم متفاوتين عنده تعالى وقوله تعالى (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) حكم عليهم بأنهم مع ظلمهم بالإشراك ومعاداة الرسول صلىاللهعليهوسلم ضالون فى هذا الجعل غير مهتدين إلى طريق معرفة الحق وتمييز الراجح من المرجوح وظالمون بوضع كل منهما موضع الآخر وفيه زيادة تقرير لعدم التساوى بينهم وقوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) استئناف