(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ()٢٢)
____________________________________
لبيان مراتب فضلهم إثر بيان عدم الاستواء وضلال المشركين وظلمهم وزيادة الهجرة وتفصيل نوعى الجهاد للإيذان بأن ذلك من لوازم الجهاد لا أنه اعتبر بطريق التدارك أمر لم يعتبر فيما سلف أى هم باعتبار اتصافهم بهذه الأوصاف الجميلة (أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ) أى أعلى رتبة وأكثر كرامة ممن لم يتصف بها* كائنا من كان وإن حاز جميع ما عداها من الكمالات التى من جملتها السقاية والعمارة (وَأُولئِكَ) أى المنعوتون* بتلك النعوت الفاضلة وما فى اسم الإشارة من معنى البعد الدلالة على بعد منزلتهم فى الرفعة (هُمُ الْفائِزُونَ) * المختصون بالفوز العظيم أو بالفوز المطلق كأن فوز من عداهم ليس بفوز بالنسبة إلى فوزهم وأما على الثانى فهو توبيخ لمن يؤثر السقاية والعمارة من المؤمنين على الهجرة والجهاد روى أن عليا قال للعباس رضى الله عنهما بعد إسلامه يا عم ألا تهاجرون ألا تلحقون برسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال ألست فى أفضل من الهجرة أسقى حاج بيت الله وأعمر المسجد الحرام فلما نزلت قال ما أرانى إلا تارك سقايتنا فقال صلىاللهعليهوسلم أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيرا وروى النعمان بن بشير قال كنت عند منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال رجل ما أبالى أن لا أعمل عملا بعد أن أسقى الحاج وقال آخر ما أبالى أن لا أعمل عملا بعد أن أعمر المسجد الحرام وقال آخر الجهاد فى سبيل الله أفضل مما قلتم فزجرهم عمر رضى الله عنه وقال لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يوم الجمعة ولكن إذا صليتم استفتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما اختلفتم فيه فدخل فأنزل الله عزوجل هذه الآية والمعنى أجعلتم أهل السقاية والعمارة من المؤمنين فى الفضيلة والرفعة كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد فى سبيله أو أجعلتموهما كالإيمان والجهاد وإنما لم يذكر الإيمان فى جانب المشبه مع كونه معتبرا فيه قطعا تعويلا على ظهور الأمر وإشعارا بأن مدار إنكار التشبيه هو السقاية والعمارة دون الإيمان وإنما لم يترك ذكره فى جانب المشبه به أيضا تقوية للإنكار وتذكيرا لأسباب الرجحان ومبادى الأفضلية وإيذانا بكمال التلازم بين الإيمان وما تلاه ومعنى عدم الاستواء عند الله تعالى على هذا التقدير ظاهر وكذا أعظمية درجة الفريق الثانى وأما قوله تعالى (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) فالمراد به عدم هدايته تعالى لهم إلى معرفة الراجح من المرجوح وظلمهم بوضع كل منهما موضع الآخر لا عدم الهداية مطلقا ولا الظلم عموما والقصر فى قوله تعالى (وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) بالنسبة إلى درجة الفريق الثانى أو إلى الفوز المطلق ادعاء كما مر والله أعلم (يُبَشِّرُهُمْ) وقرىء بالتخفيف (رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ) عظيمة (مِنْهُ وَرِضْوانٍ) كبير (وَجَنَّاتٍ) عالية (لَهُمْ فِيها) فى تلك الجنات (نَعِيمٌ مُقِيمٌ) نعم لا نفاد لها وفى التعرض لعنوان الربوبية* تأكيد للمبشر به وتربية له (خالِدِينَ فِيها) أى فى الجنات (أَبَداً) تأكيد للخلود لزيادة توضيح المراد به إذ قد يراد به المكث الطويل (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) لا قدر عنده لأجور الدنيا أو للأعمال التى فى مقابلته* والجملة استئناف وقع تعليلا لما سبق.