(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٢٤)
____________________________________
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ) نهى لكل فرد فن أفراد المخاطبين عن موالاة فرد من المشركين بقضية مقابلة الجمع بالجمع الموجبة لانقسام الآحاد إلى الآحاد كما فى قوله عزوجل (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) لا عن موالاة طائفة منهم فإن ذلك مفهوم من النظم دلالة لا عبارة والآية نزلت فى المهاجرين فإنهم لما أمروا بالهجرة قالوا إن هاجرنا قطعنا آباءنا وأبناءنا وعشيرتنا وذهبت تجاراتنا وهلكت أموالنا وخربت ديارنا وبقينا ضائعين فنزلت فهاجروا فجعل الرجل يأتيه ابنه أو أبوه أو أخوه أو بعض أقاربه فلا يلتفت إليه ولا ينزله ولا ينفق عليه ثم رخص لهم فى ذلك وقيل نزلت فى التسعة الذين ارتدوا ولحقوا بمكة نهيا عن موالاتهم. وعن النبى صلىاللهعليهوسلم لا يطعم أحدكم طعم الإيمان حتى يحب فى الله ويبغض* فى الله حتى يحب فى الله أبعد الناس منه ويبغض فى الله أقرب الناس إليه (إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ) أى* اختاروه (عَلَى الْإِيمانِ) وأصروا عليه إصرارا لا يرجى معه الإقلاع عنه أصلا وتعليق النهى عن الموالاة* بذلك لما أنها قبل ذلك ربما تؤدى بهم إلى الإسلام بسبب شعورهم بمحاسن الدين (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ) أى واحدا منهم كما أشير إليه وإفراد الضمير فى الفعل لمراعاة لفظ الموصول وللإيذان باستقلال كل واحد* منهم فى الاتصاف بالظلم لا أن المراد تولى فرد واحد وكلمة من فى قوله تعالى (مِنْكُمْ) للجنس لا للتبعيض* (فَأُولئِكَ) أى أولئك المتولون (هُمُ الظَّالِمُونَ) بوضعهم الموالاة فى غير موضعها كأن ظلم غيرهم كلا ظلم عند ظلمهم (قُلْ) تلوين للخطاب وأمر له صلىاللهعليهوسلم بأن يثبت المؤمنين ويقوى عزائمهم على الانتهاء عما نهوا عنه من موالاة الآباء والإخوان ويزهدهم فيهم وفيمن يجرى مجراهم من الأبناء والأزواج ويقطع* علائقهم عن زخارف الدنيا وزينتها على وجه التوبيخ والترهيب (إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ) لم يذكر الأبناء والأزواج فيما سلف لأن موالاة الأبناء والأزواج غير معتاد بخلاف* المحبة (وَعَشِيرَتُكُمْ) أى أقرباؤكم مأخوذ من العشرة أى الصحبة وقيل من العشرة فإنهم جماعة ترجع إلى* عقد كعقد العشرة وقرىء عشيراتكم وعشائركم (وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها) أى اكتسبتموها وإنما وصفت* بذلك إيماء إلى عزتها عندهم لحصولها بكد اليمين (وَتِجارَةٌ) أى أمتعة اشتريتموها للتجارة والريح (تَخْشَوْنَ كَسادَها) بفوات وقت رواجها بغيبتكم عن مكة المعظمة فى أيام الموسم (وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها) أى منازل تعجبكم الإقامة فيها من الدور والبساتين والتعرض للصفات المذكورة للإيذان بأن اللوم على محبة ما ذكر