(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) (٢٥)
____________________________________
من زينة الحياة الدنيا ليس لتناسى ما فيها من مبادى المحبة وموجبات الرغبة فيها وأنها مع مالها من فنون المحاسن بمعزل عن أن يؤثر حبها على حبه تعالى وحب رسوله صلىاللهعليهوسلم كما فى قوله عزوجل (ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) بالحب الاختيارى المستتبع لأثره الذى هو الملازمة وعدم* المفارقة لا الحب الجبلى الذى لا يخلو عنه البشر فإنه غير داخل تحت التكليف الدائر على الطاقة (وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ) نظم حبه فى سلك حب الله عزوجل وحب رسوله صلىاللهعليهوسلم تنويها لشأنه وتنبيها على أنه مما يجب أن يحب فضلا عن أن يكره وإيذانا بأن محبته راجعة إلى محبتهما فإن الجهاد عبارة عن قتال أعدائهما لأجل عداوتهم فمن يحبهما يجب أن يحب قتال من لا يحبهما (فَتَرَبَّصُوا) أى انتظروا (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) * عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه فتح مكة وقيل هى عقوبة عاجلة أو آجلة (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) * الخارجين عن الطاعة فى موالاة المشركين أو القوم الفاسقين كافة فيدخل فى زمرتهم هؤلاء دخولا أوليا أى لا يرشدهم إلى ما هو خير لهم وفى الآية الكريمة من الوعيد ما لا يكاد يتخلص منه إلا من تداركه لطف من ربه والله المستعان (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ) الخطاب للمؤمنين خاصة (فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) من الحروب وهى مواقعها ومقاماتها والمراد بها وقعات بدر وقريظة والنضير والحديبية وخيبر وفتح مكة (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) عطف على محل فى مواطن بحذف المضاف فى أحدهما أى وموطن يوم حنين أو فى أيام مواطن كثيرة ويوم حنين ولعل التغيير للإيماء إلى ما وقع فيه من قلة الثبات من أول الأمر وقيل المراد بالموطن الوقت كمقتل الحسين وقيل يوم حنين منصوب بمضمر معطوف على نصركم أى ونصركم يوم حنين (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) بدل من يوم حنين ولا منع فيه من عطفه على محل الظرف بناء على أنه لم يكن فى المعطوف عليه كثرة ولا إعجاب إذ ليس من قضية العطف مشاركة المعطوفين فيما أضيف إليه المعطوف أو منصوب بإضمار اذكر وحنين واد بين مكة والطائف كانت فيه الوقعة بين المسلمين وهم اثنا عشر ألفا عشرة آلاف منهم من شهد فتح مكة من المهاجرين والأنصار وألفان من الطلقاء وبين هوازن وثقيف وكانوا أربعة آلاف فيمن ضامهم من أمداد سائر العرب وكانوا لجم الغفير فلما التقوا قال رجل من المسلمين اسمه سلمة ابن سلامة الأنصارى لن نغلب اليوم من قلة فساءت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزم المشركون وخلوا الذرارى فأكب المسلمون على الغنائم فتنادى المشركون يا حماة السوء اذكروا الفضائح فتراجعوا فأدركت المسلمين كلمة الإعجاب فانكشفوا وذلك قوله عزوجل (فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً) والإغناء* إعطاء ما يدفع به الحاجة أى لم تعطكم تلك الكثرة ما تدفعون به حاجتكم شيئا من الإغناء (وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) أى برحبها وسعتها على أن ما مصدرية والباء بمعنى مع أى لا تجدون فيها مفرا تطمئن إليه نفوسكم من شدة الرعب ولا تثبتون فيها كمن لا يسعه مكان (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) روى أنه*