(ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٧)
____________________________________
بلغ فلهم مكة وبقى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحده ليس معه إلا عمه العباس آخذا بلجام بغلته وابن عمه أبو سفيان ابن الحرث آخذا بركابه وهو يركض البغلة نحو المشركين وهو يقول أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب روى أنه صلىاللهعليهوسلم كان يحمل على الكفار فيفرون ثم يحملون عليه فيقف لهم فعل ذلك بضع عشرة مرة قال العباس كنت أكف البغلة لئلا تسرع به نحو المشركين وناهيهك بهذه الواحدة شهادة صدق على أنه صلىاللهعليهوسلم كان فى الشجاعة ورباطة الجأش سباقا للغايات القاصية وما كان ذلك إلا لكونه مؤيدا من عند الله العزيز الحكيم فعند ذلك قال يا رب ائتنى بما وعدتنى وقال للعباس وكان صيتا صح بالناس فنادى الأنصار فخذا فخذا ثم نادى يا أصحاب الشجرة يا أصحاب سورة البقرة فكروا عنقا واحدا وهم يقولون لبيك لبيك وذلك قوله تعالى (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ) أى رحمته التى تسكن بها القلوب وتطمئن إليها اطمئنانا كليا* مستتبعا للنصر القريب وأما مطلق السكينة فقد كانت حاصلة له صلىاللهعليهوسلم قبل ذلك أيضا (وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) عطف على (رَسُولِهِ) وتوسيط الجار بينهما للدلالة على ما بينهما من التفاوت أى المؤمنين الذين انهزموا وقيل على الذين ثبتوا مع النبى صلىاللهعليهوسلم أو على الكل وهو الأنسب ولا ضير فى تحقق أصل السكينة فى الثابتين* من قبل والتعرض لوصف الإيمان للإشعار بعلية الإنزال (وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها) أى بأبصاركم كما يرى بعضكم بعضا وهم الملائكة عليهمالسلام عليهم البياض على خيول بلق فنظر النبى صلىاللهعليهوسلم إلى قتال المسلمين فقال هكذا حين حمى الوطيس فأخذ كفا من التراب فرمى به نحو المشركين وقال شاهت الوجوه فلم يبق منهم أحد إلا امتلأت به عيناه ثم قال صلىاللهعليهوسلم انهزموا ورب الكعبة واختلفوا فى عدد الملائكة يومئذ فقيل خمسة آلاف وقيل ثمانية آلاف وقيل ستة عشر ألفا وفى قتالهم أيضا فقيل قاتلوا وقيل لم يقاتلوا إلا يوم بدر وإنما كان نزولهم لتقوية قلوب المؤمنين بإلقاء الخواطر الحسنة وتأييدهم بذلك وإلقاء الرعب فى قلوب المشركين. قال سعيد بن المسيب حدثنى رجل كان فى المشركين يوم حنين قال لما كشفنا المسلمين جعلنا نسوقهم فلما انتهينا إلى صاحب البغلة الشهباء تلقانا رجال بيض الوجوه فقالوا شاهت الوجوه* ارجعوا فرجعنا فركبوا أكتافنا (وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالقتل والأسر والسبى (وَذلِكَ) أى ما فعل بهم مما ذكر (جَزاءُ الْكافِرِينَ) لكفرهم فى الدنيا (ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ) أن يتوب* عليه منهم لحكمة تقتضيه أى يوفقه للإسلام (وَاللهُ غَفُورٌ) يتجاوز عما سلف منهم من الكفر والمعاصى* (رَحِيمٌ) يتفضل عليهم ويثيبهم. روى أن ناسا منهم جاءوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبايعوه على الإسلام وقالوا يا رسول الله أنت خير الناس وأبر الناس وقد سبى أهلونا وأولادنا وأخذت أموالنا. قيل سبى يومئذ ستة آلاف نفس وأخذ من الإبل والغنم ما لا يحصى فقال صلىاللهعليهوسلم إن عندى ما ترون إن خير القول أصدقه اختاروا