(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) (٢٩)
____________________________________
(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) أمرهم بقتال أهل الكتابين إثر أمرهم بقتال المشركين وبمنعهم من أن يحوموا حول ما كانوا يفعلونه من الحج والعمرة غير خائفين من الفاقة المتوهمة من انقطاعهم ونبههم فى تضاعيف ذلك على بعض طرق الإغناء الموعود على الوجه الكلى وأرشدهم إلى سلوكه ابتغاء لفضله واستنجازا لوعده والتعبير عنهم بالموصول للإيذان بعلية ما فى حيز الصلة للأمر بالقتال وبانتظامهم بسبب ذلك فى سلك المشركين فإن اليهود مثنية والنصارى مثلثة فهم بمعزل من أن يؤمنوا* بالله سبحانه ولا باليوم الآخر فإن علمهم بأحوال الآخرة كلا علم فإيمانهم المبنى عليه ليس بإيمان به (وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ) أى ما ثبت تحريمه بالوحى متلوا أو غير ما تلو وقيل المراد برسوله الرسول* الذى يزعمون اتباعه أى يخالفون أصل دينهم المنسوخ اعتقادا وعملا (وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ) الثابت* الذى هو ناسخ لسائر الأديان وهو دين الإسلام وقيل دين الله (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) من التوراة* والإنجيل فمن بيانية لا تبعيضية حتى يكون بعضهم على خلاف مانعت (حَتَّى يُعْطُوا) أى يقبلوا أن* يعطوا (الْجِزْيَةَ) أى ما تقرر عليهم أن يعطوه مشتق من جزى دينه أى قضاه أو لأنهم يجزون بها من* من عليهم بالإعفاء عن القتل (عَنْ يَدٍ) حال من الضمير فى (يُعْطُوا) أى عن يد مؤاتية مطيعة بمعنى منقادين أو من يدهم بمعنى مسلمين بأيديهم غير باعثين بأيدى غيرهم ولذلك منع من التوكيل فيه أو عن غنى ولذلك لم تجب الجزية على الفقير العاجز أو عن يد قاهرة عليهم أى بسبب يد بمعنى عاجزين أذلاء أو عن إنعام عليهم فإن إبقاء مهجتهم بما بذلوا من الجزية نعمة عظيمة عليهم أو من الجزية أى نقدا مسلمة عن يد إلى يد وغاية القتال ليست* نفس هذا الإعطاء بل قبوله كما أشير إليه (وَهُمْ صاغِرُونَ) أى أذلاء وذلك بأن يأتى بها بنفسه ماشيا غير راكب ويسلمها وهو قائم والمتسلم جالس ويؤخذ بتلبيبه ويقال له أد الجزية وإن كان يؤديها وهى تؤخذ عند أبى حنيفة رضى الله عنه من أهل الكتاب مطلقا ومن مشركى العجم لا من مشركى العرب وعند أبى يوسف رضى الله عنه لا تؤخذ من العربى كتابيا كان أو مشركا وتؤخذ من الأعجمى كتابيا كان أو مشركا وعند الشافعى رضى الله عنه تؤخذ من أهل الكتاب عربيا أو عجميا ولا تؤخذ من أهل الأوثان مطلقا وذهب مالك والأوزاعى إلى أنها تؤخذ من جميع الكفار وأما المجوس فقد اتفقت الصحابة رضى الله عنهم على أخذ الجزية منهم لقوله صلىاللهعليهوسلم سنوا بهم سنة أهل الكتاب وروى عن على رضى الله عنه أنه كان لهم كتاب يدرسونه فأصبحوا وقد أسرى على كتابهم فرفع من بين أظهرهم واتفقوا على تحريم ذبيحتهم ومناكحتهم لقوله صلىاللهعليهوسلم فى آخر ما نقل من الحديث غير ناكحى نسائهم وآكلى ذبيحتهم. ووقت الأخذ عند أبى حنيفة رضى الله عنه أول السنة وتسقط بالموت والإسلام ومقدارها على الفقير المعتمل اثنا عشر درهما وعلى المتوسط الحال أربعة وعشرون درهما وعلى الغنى ثمانية وأربعون درهما ولا جزية على فقير