(إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥) وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) (٤٦)
____________________________________
قيل المحذوف هو التخلف والمعنى لا يستأذنك المؤمنون فى التخلف كراهة الجهاد فيتوجه النفى إلى القيد وبه يمتاز المؤمن من المنافق وهو وإن كان فى نفسه أمرا خفيا لا يوقف عليه بادىء الأمر لكن عامة أحوالهم لما كانت منبئة عن ذلك جعل أمرا ظاهرا مقررا وقيل هو الجهاد أى لا يستأذنك المؤمنون فى الجهاد كراهة أن يجاهدوا بناء على أن الاستئذان فى الجهاد ربما يكون لكراهته ولا يخفى أن الاستئذان فى الشىء لكراهته مما لا يقع بل لا يعقل ولو سلم وقوعه فالاستئذان لعلة الكراهة مما لا يمتاز بحسب الظاهر من الاستئذان لعلة الرغبة ولو سلم فالذى نفى عن المؤمنين يجب أن يثبت للمنافقين وظاهر أنهم* لم يستأذنوا فى الجهاد لكراهتهم له بل إنما استأذنوا فى التخلف (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) شهادة لهم بالانتظام فى سلك المتقين وعدة لهم بأجزل الثواب وتقرير لمضمون ما سبق كأنه قيل والله عليم بأنهم كذلك وإشعار بأن ما صدر عنهم معلل بالتقوى (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ) أى فى التخلف مطلقا على الأول أو لكراهة* الجهاد على الثانى (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) تخصيص الإيمان بهما فى الموضعين للإيذان بأن الباعث على الجهاد ببذل النفس والمال إنما هو الإيمان بهما إذ به يتسنى للمؤمنين استبدال الحياة الأبدية* والنعيم المقيم الخالد بالحياة الفانية والمتاع الكاسد (وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ) عطف على الصلة وإيثار صيغة* الماضى للدلالة على تحقق الريب وتقرره (فَهُمْ) حال كونهم (فِي رَيْبِهِمْ) وشكهم المستقر فى قلوبهم* (يَتَرَدَّدُونَ) أى يتحيرون فإن التردد ديدن المتحير كما أن الثبات ديدن المستبصر والتعبير عنه به مما لا يخفى حسب موقعه (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ) يدل على أن بعضهم قالوا عند الاعتذار كما نريد الخروج لكن* لم نتهيأ له وقد قرب الرحيل بحيث لا يمكننا الاستعداد فقيل تكذيبا لهم لو أراده (لَأَعَدُّوا لَهُ) أى* للخروج فى وقته (عُدَّةً) أى أهبة من الزاد والراحلة والسلاح وغير ذلك مما لا بد منه للسفر وقرىء عده بحذف التاء والإضافة إلى ضمير الخروج كما فعل بالعدة من قال [وأخلفوك عد الأمر الذى وعدوا] أى* عدته وقرىء عده بكسر العين وعدة بالإضافة (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) أى نهوضهم للخروج. قيل هو استدراك عما يفهم من مقدم الشرطية فإن انتفاء إرادتهم للخروج يستلزم انتفاء خروجهم وكراهة الله تعالى انبعاثهم تستلزم تثبطهم عن الخروج فكأنه قيل ما خرجوا ولكن تثبطوا والاتفاق فى المعنى لا يمنع الوقوع بين طرفى لكن بعد تحقق الاختلاف نفيا وإثباتا فى اللفظ كقولك ما أحسن إلى زيد ولكن أساء والأظهر أن يكون استدراكا من نفس المقدم على نهج ما فى الأقيسة الاستثنائية والمعنى