(لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ) (٤٨)
____________________________________
لو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن ما أرادوه لما أنه تعالى كره انبعاثهم لما فيه من المفاسد التى ستبين (فَثَبَّطَهُمْ) أى حبسهم بالجبن والكسل فتثبطوا عنه ولم يستعدوا له (وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) تمثيل* لإلقاء الله تعالى كراهة الخروج فى قلوبهم أو لوسوسة الشيطان بالأمر بالقعود أو هو حكاية قول بعضهم لبعض أو هو إذن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لهم فى القعود والمراد بالقاعدين إما المعذورون أو غيرهم وأيا ما كان فغير خال عن الذم (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ) بيان لسر كراهته تعالى لانبعاثهم أى لو خرجوا مخالطين لكم (ما زادُوكُمْ) أى ما أورثوكم شيئا من الأشياء (إِلَّا خَبالاً) أى فسادا وشرا فالاستثناء مفرغ متصل وقيل* منقطع وليس بذلك (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ) أى ولسعوا فيما بينكم بالنمائم والتضريب وإفساد ذات البين* من وضع البعير وضعا إذا أسرع وأوضعته أنا أى حملته على الإسراع والمعنى لأوضعوا ركائبهم بينكم والمراد به المبالغة فى الإسراع بالنمائم لأن الراكب أسرع من الماشى وقرىء ولأرقصوا من رقصت الناقة أسرعت وأرقصتها أنا وقرىء ولأوفضوا أى أسرعوا (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) يحاولون أن يفتنوكم بإيقاع* الخلاف فيما بينكم وإلقاء الرعب فى قلوبكم وإفساد نياتكم والجملة حال من ضمير أوضعوا أو استئناف (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) أى نمامون يسمعون حديثكم لأجل نقله إليهم أو فيكم قوم ضعفة يسمعون* للمنافقين أى يطيعونهم والجملة حال من مفعول يبغونكم أو من فاعله لاشتمالها على ضميريهما أو مستأنفة ولعلهم لم يكونوا فى كمية العدد وكيفية الفساد بحيث يخل مكانهم فيما بين المؤمنين بأمر الجهاد إخلالا عظيما ولم يكن فساد خروجهم معادلا لمنفعته ولذلك لم تقتض الحكمة عدم خروجهم فخرجوا مع المؤمنين ولكن حيث كان انضمام المنافقين القاعدين إليهم مستتبعا لخلل كلى كره الله انبعاثهم فلم يتسن اجتماعهم فاندفع فسادهم ووجه العتاب على الإذن فى قعودهم مع تقرره لا محالة وتضمن خروجهم لهذه المفاسد أنهم لو قعدوا بغير إذن منه صلىاللهعليهوسلم لظهر نفاقهم فيما بين المسلمين من أول الأمر ولم يقدروا على مخالطتهم والسعى فيما بينهم بالأراجيف ولم يتسن لهم التمتع بالعيش إلى أن يظهر حالهم بقوارع الآيات النازلة (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) علما* محيطا بضمائرهم وظواهرهم وما فعلوا فيما مضى وما يتأتى منهم فيما سيأتى ووضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالظلم والتشديد فى الوعيد والإشعار بترتبه على الظلم ولعله شامل للفريقين السماعين والقاعدين (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ) تشتيت شملك وتفريق أصحابك منك (مِنْ قَبْلُ) أى يوم أحد حين انصرف عبد الله بن أبى بن* سلول المنافق بمن معه وقد تخلف بمن معه عن تبوك أيضا بعد ما خرج مع النبى صلىاللهعليهوسلم إلى ذى جدة أسفل من ثنية الوداع وعن ابن جريج رضى الله عنه وقفو الرسول الله صلىاللهعليهوسلم على الثنية ليلة العقبة وهم اثنا عشر رجلا من المنافقين ليفتكوا به صلىاللهعليهوسلم فردهم الله تعالى خاسئين (وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ) تقليب الأمر تصريفه من وجه إلى وجه*