(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٤٩) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ) (٥٠)
____________________________________
وترديده لأجل التدبير والاجتهاد فى المكر والحيلة يقال للرجل المتصرف فى وجوه الحيل حول وقلب* أى اجتهدوا ودبروا لك الحيل والمكايد ودوروا الآراء فى إبطال أمرك وقرىء بالتخفيف (حَتَّى جاءَ الْحَقُّ) أى النصر والتأييد الإلهى (وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ) غلب دينه وعلا شرعه (وَهُمْ كارِهُونَ) والحال أنهم كارهون لذلك أى على رغم منهم والآيتان لتسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين عن تخلف المتخلفين وبيان ما ثبطهم الله تعالى لأجله وهتك أستارهم وكشف أسرارهم وإزاحة أعذارهم تداركا لما عسى يفوت بالمبادرة إلى الإذن وإيذانا بأن ما فات بها ليس مما لا يمكن تلافيه تهوينا للخطب (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي) فى القعود (وَلا تَفْتِنِّي) أى لا توقعنى فى الفتنة وهى المعصية والإثم يريد إنى متخلف لا محالة أذنت أو لم تأذن فائذن لى حتى لا أقع فى المعصية بالمخالفة أو لا تلقنى فى الهلكة فإنى إن خرجت معك هلك مالى وعيالى لعدم من يقوم بمصالحهم وقيل قال الجد بن قيس قد علمت الأنصار أبى مشتهر بالنساء فلا تفتنى ببنات الأصفر يعنى نساء الروم ولكن أعينك بمالى فاتركنى وقرىء ولا تفتنى من أفتنه بمعنى فتنه* (أَلا فِي الْفِتْنَةِ) أى فى عينها ونفسها وأكمل أفرادها الغنى عن الوصف بالكمال الحقيق باختصاص اسم* الجنس به (سَقَطُوا) لا فى شىء مغاير لها فضلا عن أن يكون مهربا ومخلصا عنها وذلك بما فعلوا من العزيمة على التخلف والجراءة على الاستئذان بهذه الطريقة الشنيعة ومن القعود بالإذن المبنى عليه وعلى الاعتذارات الكاذبة وقرىء بإفراد الفعل محافظة على لفظ من وفى تصدير الجملة بحرف التنبيه مع تقديم الظرف إيذان بأنهم وقعوا فيها وهم يحسبون أنها منجى من الفتنة زعما منهم أن الفتنة إنما هى التخلف بغير إذن وفى التعبير عن الافتتان بالسقوط فى الفتنة تنزيل لها منزلة المهواة المهلكة المفصحة عن ترديهم* فى دركات الردى أسفل سافلين وقوله عزوجل (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) وعيد لهم على ما فعلوا معطوف على الجملة السابقة داخل تحت التنبيه أى جامعة لهم يوم القيامة من كل جانب وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على الثبات والاستمرار أو محيطة بهم الآن تنزيلا لشىء سيقع عن قريب منزلة الواقع أو وضعا لأسباب الشىء موضعه فإن مبادى إحاطة النار بهم من الكفر والمعاصى محيطة بهم الآن من جميع الجوانب ومن جملتها ما فروا منه وما سقطوا فيه من الفتنة وقيل تلك المبادى المتشكلة بصور الأعمال والأخلاق هى النار بعينها ولكن لا يظهر ذلك فى هذه النشأة وإنما يظهر عند تشكلها بصورها الحقيقية فى النشأة الآخرة والمراد بالكافرين إما المنافقون وإيثار وضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالكفر والإشعار بأنه معظم أسباب الإحاطة المذكورة وإما جميع الكافرين الشاملين للمنافقين شمولا أوليا (إِنْ تُصِبْكَ) فى بعض مغازيك (حَسَنَةٌ) من الظفر والغنيمة (تَسُؤْهُمْ) تلك الحسنة