(كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٦٩)
____________________________________
(نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) مقدرين الخلود فيها (هِيَ حَسْبُهُمْ) عقابا وجزاء وفيه دليل على عظم عقابها* وعذابها (وَلَعَنَهُمُ اللهُ) أى أبعدهم من رحمته وأهانهم وفى إظهار الاسم الجليل من الإيذان بشدة السخط* ما لا يخفى (وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) أى نوع من العذاب غير عذاب النار دائم لا ينقطع أبدا أو لهم عذاب* مقيم معهم فى الدنيا لا ينفك عنهم وهو ما يقاسونه من تعب النفاق الذى هم منه فى بلية دائمة لا يأمنون ساعة من خوف الفضيحة ونزول العذاب إن اطلع عن أسرارهم (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) التفات من الغيبة إلى الخطاب للتشديد والكاف فى محل الرفع على الخبرية أى أنتم مثل الذين من قبلكم من الأمم المهلكة أو فى حيز النصب بفعل مقدر أى فعلتم مثل فعل الذين من قبلكم (كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) تفسير وبيان لشبههم بهم وتمثيل لحالهم بحالهم (فَاسْتَمْتَعُوا) تمتعوا وفى صيغة الاستفعال* ما ليس فى صيغة التفعل من الاستزادة والاستدامة فى التمتع (بِخَلاقِهِمْ) بنصيبهم من ملاذ الدنيا واشتقاقه* من الخلق بمعنى التقدير وهو ما قدر لصاحبه (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ) الكاف فى محل النصب على* أنه نعت لمصدر محذوف أى استمتاعا كاستمتاع (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) ذم الأولين باستمتاعهم* بحظوظهم الخسيسة من الشهوات الفانية والتهائهم بها عن النظر فى العواقب الحقة واللذائذ الحقيقية تمهيدا لذم المخاطبين بمشابهتهم إياهم واقتفائهم أثرهم (وَخُضْتُمْ) أى دخلتم فى الباطل (كَالَّذِي خاضُوا) * أى كالذين بإسقاط النون أو كالفوج الذى أو كالخوض الذى خاضوه (أُولئِكَ) إشارة إلى المتصفين* بالأوصاف المعدودة من المشبهين والمشبه بهم لا إلى الفريق الأخير فقط فإن ذلك يقتضى أن يكون حبوط أعمال المشبهين وخسرانهم مفهومين ضمنا لا صريحا ويؤدى إلى خلو تلوين الخطاب عن الفائدة إذ الظاهر حينئذ أولئكم والخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أو لكل من يصلح للخطاب أى أولئك الموصوفون بما ذكر من الأفعال الذميمة (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) ليس المراد بها أعمالهم المعدودة كما يشعر به التعبير* عنهم باسم الإشارة فإن غائلتها غنية عن البيان بل أعمالهم التى كانوا يستحقون بها أجورا حسنة لو قارنت الإيمان أى ضاعت وبطلت بالكلية ولم يترتب عليها أثر (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) بطريق المثوبة والكرامة* أما فى الآخرة فظاهر وأما فى الدنيا فلأن ما يترتب على أعمالهم فيها من الصحة والسعة وغير ذلك حسبما ينبىء عنه قوله عزوجل (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) ليس ترتبه عليها على طريقة المثوبة والكرامة بل بطريق الاستدراج (وَأُولئِكَ) أى الموصوفون بحبوط* الأعمال فى الدارين (هُمُ الْخاسِرُونَ) الكاملون فى الخسران فى الدارين الجامعون لمباديه وأسبابه طرا* فإنه قد ذهبت رءوس أموالهم التى هى أعمالهم فيما ضرهم ولم ينفعهم قط ولو أنها ذهبت فيما لا يضرهم ولا