(وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٩٩)
____________________________________
محيص عنه من مصائب الدهر أى ينتظر بكم دوائر الدهر ونوبه ودوله ليذهب غلبتكم عليه فليتخلص مما* ابتلى به (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) دعاء عليهم بنحو ما أرادوا بالمؤمنين على نهج الاعتراض كقوله سبحانه (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) بعد قول اليهود ما قالوا والسوء مصدر ثم أطلق على كل ضر وشر وأضيفت إليه الدائرة ذما كما يقال رجل سوء لأن من دارت عليه يذمها وهى من باب إضافة الموصوف إلى صفته فوصفت فى الأصل بالمصدر مبالغة ثم أضيفت إلى صفتها كقوله عزوجل (ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ) وقيل معنى الدائرة يقتضى معنى السوء فإنما هى إضافة بيان وتأكيد كما قالوا شمس النهار ولحيا رأسه وقرىء بالضم وهو* العذاب كما قيل له سيئة (وَاللهُ سَمِيعٌ) لما يقولونه عند الإنفاق مما لا خير فيه (عَلِيمٌ) بما يضمرونه من الأمور الفاسدة التى من جملتها أن يتربصوا بكم الدوائر وفيه من شدة الوعيد ما لا يخفى (وَمِنَ الْأَعْرابِ) * أى من جنسهم على الإطلاق (مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ) أى يأخذ لنفسه على وجه الإصطفاء* والادخار (ما يُنْفِقُ) أى ينفقه فى سبيل الله تعالى (قُرُباتٍ) أى ذرائع إليها وللإيذان بما بينهما من كمال الاختصاص جعل كأنه نفس القربات والجمع باعتبار أنواع القربات أو أفرادها وهى ثانى مفعولى يتخذ* وقوله تعالى (عِنْدَ اللهِ) صفتها أو ظرف ليتخذ (وَصَلَواتِ الرَّسُولِ) أى وسائل إليها فإنه صلىاللهعليهوسلم كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم ولذلك سن للمصدق أن يدعو للمتصدق عند أخذ صدقته لكن ليس له أن يصلى عليه كما فعله صلىاللهعليهوسلم حين قال اللهم صل على آل أبى أو فى فإن ذلك منصبه فله أن يتفضل به على من يشاء والتعرض لوصف الإيمان بالله واليوم الآخر فى الفريق الأخير مع أن مساق الكلام لبيان الفرق بين الفريقين فى شأن اتخاذ ما ينفقانه حالا ومآلا وأن ذكر اتخاذه ذريعة إلى القربات والصلوات مغن عن التصريح بذلك لكمال العناية بإيمانهم وبيان اتصافهم به وزيادة الاعتناء بتحقيق الفرق بين الفريقين من أول الأمر وأما الفريق الأول فاتصافهم بالكفر والنفاق معلوم من سياق* النظم الكريم صريحا (أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ) شهادة لهم من جناب الله تعالى بصحة ما اعتقدوه وتصديق لرجائهم والضمير لما ينفق والتأنيث باعتبار الخبر مع ما مر من تعدده بأحد الوجهين والتنكير للتفخيم المغنى عن الجمع أى قربة عظيمة لا يكتنه كنهها وفى إيراد الجملة اسمية وتصديرها بحرفى التنبيه والتحقيق من الجزالة ما لا يخفى والاقتصار على بيان كونها قربة لهم لأنها الغاية القصوى وصلوات الرسول من* ذرائعها وقوله تعالى (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) وعد لهم بإحاطة رحمته الواسعة بهم وتفسير للقربة كما أن قوله عز وعلا (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وعيد للأولين عقيب الدعاء عليهم والسين للدلالة على تحقق ذلك وتقرره* البتة وقوله تعالى (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تعليل لتحقق الوعد على نهج الاستئناف التحقيقى قيل هذا فى عبد الله ذى البجادين وقومه وقيل فى بنى مقرن من مزينة وقيل فى أسلم وغفار وجهينة وروى أبو هريرة