قال أبو إسحاق : (ثُبُوراً) نصبه على المصدر أي ثبرنا ثبورا ، وقال غيره : هو مفعول به أي دعوا الثبور ، كما يقال : يا عجباه أي هذا من أوقاتك فاحضر ، وهذا أبلغ من تعجّبت.
أي بلاؤكم أعظم من أن تدعوا الثبور مرة واحدة ولكن يدعونه مرارا كثيرة ، ولم يجمع الثبور لأنه مصدر.
كما حكى سيبويه (١) عن العرب : الشّقاء أحبّ إليك أم السعادة؟ وقد علم أن السعادة أحبّ إليه ، وقيل : هذا للتنبيه ، وقيل : المعنى : أذلك خير على غير تأويل من ، كما يقال : عنده خير. وهذا قول حسن ، كما قال : [الوافر]
٣٠٩ ـ فشرّكما لخيركما الفداء (٢)
وفي الآية قول ثالث وهو أن الكوفيين يجيزون : العسل أحلى من الخل ، وهذا قول مردود ؛ لأنّ معنى : فلان خير من فلان ، أنّه أكثر خيرا منه ، ولا حلاوة في الخلّ ولا يجوز أن تقول : النصرانيّ خير من اليهوديّ ؛ لأنه لا خير فيهما فيكون أحدهما أزيد في الخير من الآخر ، ولكن يقال : اليهوديّ شرّ من النصرانيّ ، فعلى هذا كلام العرب.
وقرأ الحسن وأبو جعفر أن نتّخذ (٣) بضم النون. وقد تكلم في هذه القراءة النحويون ، وأجمعوا على أن فتح النون أولى ، فقال أبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر لا يجوز (نتّخذ) قال أبو عمرو : لو كانت «نتّخذ» لحذفت (من) الثانية ، فقلت : أن نتّخذ من دونك أولياء ، ومثل أبي عمرو على جلالته ومحلّه يستحسن منه هذا القول : لأنه جاء بعلّة بيّنة. وشرح ما قال إنه يقال : ما اتّخذت رجلا وليّا ، فيجوز أن يقع هذا لواحد
__________________
(١) انظر الكتاب ٣ / ١٩٣.
(٢) الشاهد لحسان بن ثابت في ديوانه ٧٦ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٣٢ ، وشرح الأشموني ٣ / ٣٨٨ ، ولسان العرب (ندد) و (عرش) ، وتفسير الطبري ١ / ١٦٣.
(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٤٨ ، ومعاني الفراء ٢ / ٢٦٤.