قراءة شيبة ونافع وعاصم والأعمش وحمزة ، وقرأ أبو عمرو وأبو جعفر والحسن (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) (١) بفتح الخاء. فالقراءة الأولى عند الفراء بمعنى عادة الأولين. قال أبو جعفر : وحكى لنا محمد بن الوليد عن محمد بن يزيد قال : خلق الأولين مذهبهم ، وما جرى عليه أمرهم. والقولان متقاربان من هذا الحديث عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» (٢) أي أحسنهم مذهبا وعادة وما يجري عليه الأمر في طاعة الله جلّ وعزّ ، ولا يجوز أن يكون من كان حسن الخلق فاجرا فاضلا ، ولا أن يكون أكمل إيمانا من السيئ الخلق الذي ليس بفاجر. قال أبو جعفر : وحكي لنا عن محمد بن يزيد أنّ معنى «خلق الأولين» تكذيبهم وتخرّصهم غير أنه كان يميل إلى القراءة الأولى لأن فيها مدح آبائهم ، وأكثر ما جاء القرآن في صفتهم مدحهم لآبائهم وقولهم : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) [الزخرف : ٢٢]. (وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ) الجملة في موضع خفض نعت لنخل. وأحسن ما قيل في معناه ما رواه الدّراوردي عن ابن أخي الزّهري عن عمه في قوله جلّ وعزّ : (طَلْعُها هَضِيمٌ) قال : الرّخص اللطيف أول ما يطلع ، وهو الطلع النضيد لأن بعضه فوق بعض.
(وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ) ويقال : تنحتون لأنه فيه حرفا من حروف الحلق. بيوتا فرهين(٣) قراءة المدنيين والبصريين ، وقرأ أبو صالح والكوفيون (فارِهِينَ) وقد اختلف العلماء في معناهما ففرق بينهما بعضهم وجعلهما بمعنى واحد. فقال أبو صالح ومعاوية بن قرّة ومنصور بن المعتمر والضحاك بن مزاحم ؛ فارهون حاذقون. قال مجاهد : «فرهون» أشرون بطرون. قال أبو جعفر : فهذا تفريق بين معنيين ، يكون «فارهون» من فره إذا كان حاذقا نشيطا ، و «فرهون» بمعنى فرحين فأبدل من الحاء هاء.
وقد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وينحتون من الجبال بيوتا فرهين قال :
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٨١ ، والبحر المحيط ٧ / ٣٢ ، وهذه قراءة عبد الله وعلقمة وابن كثير والكسائي أيضا.
(٢) أخرجه أحمد في مسنده ٢ / ٢٥٠ ، وأبو داود في سننه (٤٦٨٢) ، والدارمي في سننه ٢ / ٣٢٣ ، والحاكم في المستدرك ١ / ٣ ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ٩ / ٢٤٨ والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٥ / ٣٥٥.
(٣) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٧٢ ، والبحر المحيط ٧ / ٣٤.