وإذا قلت : جاءني إخوتك كلّهم أكّدت معنى الجماعة وأعلمت أنه لم يتخلّف منهم أحد وتقول : جاءني إخوتك إلّا زيدا فتؤكد أن الجماعة تنقص زيدا ، وكذلك رؤوس الأعداد تشبّه بالجماعات ، تقول : عندي عشرة فجائز أن تكون ناقصة وجائز أن تكون تامة فإذا قلت : عندي عشرة إلّا نصفا أو عشرة كاملة أعلمت تحقيقها ، وكذلك إذا قلت : لبث ألفا إلّا خمسين فهو كقولك : عشرة إلّا نصفا لأنك استعملت الاستثناء فيما كان أملك بالعشرة من التّسعة لأن النصف قد دخل في باب العاشر ولو قلت : عشرة إلّا واحدا أو إلّا اثنين كان جائزا وفيه قبح ؛ لأن تسعة وثمانية يؤدّي عن ذلك العدد ولكنه جائز من جهة التوكيد إنّ هذه التسعة لا تزيد ولا تنقص لأن قولك : عشرة إلّا واحدا قد أخبرت بحقيقة العدد فيه. والاختيار في الاستثناء في الأعداد التي هي عقود الكسور والصّحاح أن يستثنى. فأمّا استثناء نصف الشيء فقبيح جدا لا تتكلّم به العرب فإذا قلت عندي عشرة إلّا خمسة فليس تكون الخمسة مستثناة من العشرة ؛ لأنها ليست تقرب منها ، وإنما يتكلّم بالاستثناء كما يتكلّم بالنقصان فتقول : عندي درهم ينقص قيراطا فلو قلت :
عندي درهم ينقص خمسة الدوانيق أو ينقص نصفه كان الأولى بذلك عندي نصف درهم لأن نصف درهم لا يقع عليه اسم درهم وإخوتك يقع على بعضهم اسم الأخوة.
(فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ) مشتق من طاف يطوف ، وهو اسم موضع على ما أحاط بالأشياء من غرق أو قتل أو غيرهما (وَهُمْ ظالِمُونَ) ابتداء وخبر في موضع الحال.
(فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ) معطوف على الهاء. قال الكسائي : (وَإِبْراهِيمَ) منصوب بأنجينا. يعني أنه معطوف على الهاء ، وأجاز أن يكون معطوفا على نوح ، والمعنى وأرسلنا إبراهيم ، وقول ثالث أن يكون منصوبا بمعنى : واذكر إبراهيم.
(إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً) نصب بتعبدون و «ما» كافّة ، ولا يجوز أن يكون صلة لأن إنّ لا تقع على الفعل فإن كان بعد «ما» اسم فقلت : إنما زيد جالس ، فما أيضا كافة ، وأجاز بعض النحويين أن يكون صلة فتقول : إنما زيدا جالس. ويجوز في غير القرآن رفع أوثان على أن تجعل «ما» اسما لأن و «تعبدون» صلتها ، وحذفت الهاء لطول الاسم ، وجعلت أوثانا خبر إنّ. فأما (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) فهو منصوب بالفعل لا غير.