الطير في مكناتها إذا أرادوا الحاجة يتفاءلون بها ويتطيّرون فنهاهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن ذلك فقال : «أقروا الطّير على مكناتها» أي لا تزجروها فإن الأمور تجري على ما قضى الله جلّ وعزّ. وقد روي عن عبد الله بن سلام غير هذا في تأويل هذه الآية وتأولها على أنها يوم القيامة. قال : إذا كان يوم القيامة ومدّ الصراط نادى مناد ليقم محمد صلىاللهعليهوسلم وأمته فيقومون برّهم وفاجرهم فيتبعونه ليجاوزوا الصراط فإذا صاروا عليه طمس الله جلّ وعزّ أعين فجارهم فاستبقوا الصراط فمن أين يبصرونه حتى يجاوزوه ثم ينادي ليقم عيسى صلىاللهعليهوسلم وأمته فيقومون برهم وفاجرهم فتكون سبيلهم تلك السبيل ، وكذلك سائر الأنبياء صلوات الله عليهم.
(وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) (١) قال أبو إسحاق : يبدل من القوة ضعفا ، ومن الشباب هرما. وعاصم والأعمش وحمزة يقرءون (نُنَكِّسْهُ) (٢) على التكثير والتخفيف يقع للقليل والكثير بمعنى واحد.
(وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) وقد صحّ عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [الرجز]
٣٦٤ ـ أنا النّبيّ لا كذب |
|
أنا ابن عبد المطّلب |
فتكلّم العلماء في هذا فقال بعضهم : إنما الرواية بالإعراب فإن كانت بالإعراب لم تكن شعرا لأنه إذا فتح الباء من البيت الأول أو ضمّها أو نوّنها وكسر الباء من البيت الثاني خرج عن وزن الشعر ، وقال بعضهم : ليس هذا الوزن من الشعر. قال أبو جعفر :
وهذا مكابرة العيان لأن أشعار العرب على هذا قد رواها الخليل وغيره. ومن حسن ما قيل في هذا قول أبي إسحاق : إنّ معنى (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) أي وما علّمناه أن يشعر أي ما جعلناه شاعرا ، وهذا لا يمنع أن ينشد شيئا من الشعر ، وقد قيل إنما خبر الله عزوجل ما علّمه الشعر ، ولم يخبر أنّه لا ينشد شعرا ، وهذا ظاهر الكلام. وقد قيل فيه قول بين زعم صاحبه أنه إجماع من أهل اللغة ، وذلك أنهم قالوا : كل من قال قولا موزونا لا يقصد به إلى شعر فليس بشعر وإنما وافق الشعر ، وهذا قول بيّن. (وَما يَنْبَغِي لَهُ) قال أبو إسحاق : أي وما يتسهّل له ، وتأويله على معنى وما يتسهّل قول الشعر لا الإنشاد (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ) أي ما الذي أنزلنا إليك (إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ).
__________________
(١) انظر تيسير الداني ١٥٠.
(٢) انظر تفسير الطبري ١٠ / ١٠٢.