تنفع كتب الوحي إذا لم تنفع صراحتها التي ملئت أطرافها في هذا الموضوع ، كيف لا وقد ذكرت الاناجيل بتكرارها ان الأرواح النجسة ترى وتخر للمسيح وتعرفه ، وتصرخ ، وتخاطبه ، وتخاف من اهلاكه لها ، وتتكلم ، وتسكت بأمره ، ويأمرها بأن لا تظهر انها عرفته ، وتخاف من الذهاب الى الهاوية ، وتستأذن منه لذهابها الى قطيع الخنازير وتخبره انها لجيون أي جماعة كثيرة فأذن لها ، وخرجت الى الخنازير كما ذكرنا لك طرفا من ذلك ، وقد جعل كتبة الاناجيل هذه التفاصيل الضافية حجة وبرهانا لدعوة المسيح ، فقل لبيلي : واولئك المنكرين إذا كان رسلكم الملهمون قد ملئوا أناجيلهم بهذه الحكايات المفصلة وهي أكاذيب لا حقيقة لها ، فما ذا تكون العلامة على ما يصدقون فيه؟.
وكيف لنا إذا بتصديقهم في حكايات شفاء المسيح للأمراض؟ ومن أين نعلم ان المرض كان حقيقيا والشفاء كان واقعيا؟ وهم قد عنونوا حكايات المرض والشفاء بهذه الحكايات التي تقولون انها أكاذيب ، وأي شيء يخشى منه على صدق الديانة المسيحية وصحتها أكثر من ان تكون كتب وحيها وقانونها الأساسي في حجتها وبرهانها وتعليمها قد ملئت بهذه الاكاذيب ، وإذ كانوا قد جاروا بها أفكار اليهود ، فبالحري ان يكونوا في باقي الاناجيل وكتب العهد الجديد قد جاروا أهوائهم وأهواء الامم الذين حاولوا الترأس عليهم بوسيلة الرئاسة الدينية كما يشهد لذلك العاشر والحادي عشر والخامس عشر من الأعمال ، وكثير من كلمات الرسائل المنسوبة لبولس.
ومن أوهن الوهن اعتذار «بيلي» عن هذه الحكايات بقوله ، ولم يكن من اختصاصات الوحي تنظيم وترتيب آراء الناس بخصوص تأثير الجواهر الروحية في الاجسام الحيوانية ، فان هذا الاعتذار إنما يخرج عن الغش والغلط لو لم تذكر الأناجيل من هذه الحكايات شيئا ، واعترض المعترض على كونها لم تصلح بتعليمها آراء الناس في وهم القول بتأثير الجواهر الروحية ، واما على ما أطنبت بتكراره في هذه الحكايات فعلى زعمهم تكون قد أكدت فساد آراء الناس ولفقت من أوهامهم الفاسدة أكاذيب كثيرة جعلتها البرهان على صحة الديانة المسيحية وأساس تعليمها.