ومن براعة العرب نصبهم الاسم على المدح ، وذلك لينبهوا الذهن الى ما يريدون امتيازه عند السامع ليلتفت الى مزيته وخصوصيته بنفسه لتكون احالة الالتفات إليها على معرفته بها من نفسه ، أو كد في المدح والتنويه من البيان الصريح ، فيتنبه الذهن بتغيير سياق الاعراب بحركة واحدة الى ما لا يتنبه له بدونه ولا يكفي في التنبيه عليه كثير من الكلام ، وهذا باب واسع نص عليه النحويون ، وأوردوا فيه الشواهد ، ومن ذلك قول الخرنق بنت عفان من بني قيس :
لا يبعدن قومي الذين هم |
|
سم العداة وآفة الجزر |
النازلين بكل معترك |
|
والطيبون معاقد الأزر |
وعلى ذلك جاء في الآية الكريمة نصب (الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ) ، وذلك لأجل التنبيه على امتياز المتحلين بهذه الصفة التي عليها ابتنى الثبات على الدين ، والإخلاص في العبادة ، والدوام على الطاعة والاقدام في نصرة الحق ، والاقبال على الله ، والبعد عن التمرد ، والسلامة من الضلال ، والعصمة من الارتداد ، فاولئك هم أعلام الهدى ، وحماة الدين ، ودعاة الحق ، فلله صبرهم ما احلى ثمره ، وما أحسن في التوحيد أثره ، وما أبهى في الاسلام عاقبته :
وهذا السنا الوضاح من ذلك السنا |
|
وهذا الشذا الفياح من ذلك الوادي |
وقال المتعرب «ذ ص ٧٣» ولا ادري لما ذا استحق الصابرون هذا المدح ، ولم يستحقه الموفون بعهدهم ، مع انهم مقدمون في النسق على اولئك ومع ان السورة نفسها متقدمة في النزول على سورة براءة التي سن فيها نبذ العهد ، وعلى سورة التحريم التي احل فيها الحنث بالايمان.
أقول : قد نبهناك على علو مقام الصابرين المذكورين في الآية ، ولا يخفى عليك عظيم أثرهم في الدعوة والدين.
وقد روى في المجازات النبوية قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «العم خليل المؤمن ، والحلم وزيره ، والعقل دليله ، والعمل قيمه ، واللين اخوه