كما قال السيد المسيح ، فليس فيما تنقله الاناجيل عن أقوال المسيح ما يمكن التشبث به لهذه الدعوى الا نقلها عن قوله ان أبناء القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء «مت ٢٢ ، ٣٠ ومر ١٢ ، ٢٥» إذ لا يستطيعون أن يموتوا أيضا لأنهم مثل الملائكة ، وهم أبناء الله إذ هم أبناء القيامة «لو ٢٠ ، ٣٥ و ٣٦» فإن كان المستند هو هذا فقد بينا لك في الجزء الاول صحيفة ٢٣٤ سقوط هذه الحجة ووهنها من جميع أطرافها على حد ينبغي أن ينزه عن مثله آحاد أهل الأدب والمعرفة فضلا عن المسيح رسول الله على انها لو تمت لما أمكن ان يراد انهم لا يأكلون ولا يشربون من حيث انهم كالملائكة ، وذلك لأن التوراة تنافي هذه الدعوى حيث ذكرت مكررا ان الملائكة أكلوا من ضيافة ابراهيم ومن ضيافة لوط «تك ١٨ ، ٨ و ١٩ ، ٣» وصدقت على ذلك رسالة العبرانيين «١٣ ، ٢» ، وسيأتي التعرض إن شاء الله لذكر الجنة في الأجزاء الآتية بحول الله وقوته.
وقال الله تعالى في سورة آل عمران في شأن زكريا وبشارته ٣٦ : (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً).
فاعترض المتكلف (يه ٢ ـ ج ص ٣٧) بأنه لم يفهم من الإنجيل ان زكريا طلب آية وبأن مدة صمته كانت تسعة اشهر وثلاثة ايّام.
قلنا أولا : ان انجيل لوقا يذكر ان زكريا قال للملك الذي بشره : كيف اعلم هذا لأني أنا شيخ وامرأتي متقدمة في أيامها ، فقال له الملاك وها أنت تكون صامتا ولا تقدر أن تتكلم لأنك لم تصدق كلامي «لو ١ ، ١٨ و ٢٠» ، فقوله : كيف أعلم هو طلب لما يحصل به العلم ، ولكن القرآن الكريم كلام الله ذكر الواقعة على الحقيقة المناسبة لبر زكريا وايمانه حيث انه طلب من الله الآية ليزداد ايمانا ويطمئن قلبه باستجابة دعائه ، فان زكريا أجلّ من يقول لله أو بالملك «كيف أعلم هذا» ولا يصدق الملك في بشارته.
وثانيا : ان القرآن الكريم كلام الله لم يكن متبعا في وحيه مضطربات العهدين في منقولها ولا معتنيا بإنجيل لوقا ، كيف ولو كان كذلك لمجد المسيح بما يذكره لوقا من وقوف الخاطئة عند قدميه وهي باكية وابتدأت تبل قدميه بالدموع وتمسحهما بشعر رأسها وتقبل قدميه وتدهنهما بالطيب فشكر لها صنيعها