لاجراء حكمتها ، ودوام النعمة بوجودها ، فلا تزعزعها القوى النارية كما تزعزع سطح الأرض ، ولو لا القوة التي اودعها الله فيها لاقتضى نفوذ القوى النارية منها على الدوام أن يحللها ويزعزعها ويلاشيها ، جلت حكمة الله وعظمت آلاؤه ، وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها.
وقال الله تعالى في سورة الحجر ١٩ وسورة ق ٧ (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) وفي سورة نوح ١٨ (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً ..) والمراد من ذلك انه جل اسمه وعظمت نعمته جعل الأرض ذات ارجاء واسعة ممتدة وسهول منبسطة رحيبة ، فلم يضق رحبها ، ولم تستوعر كلها على ساكنيها بتضاريس الحزون وأسنمة الجبال ، وان مد الأرض وبسطها بهذا المعنى لا ينافي كرويتها التي لا تدرك إلا بدقة الرصد وكلفة البرهان ..
وقد جاء في العهد القديم الباسط الأرض على المياه «مز ١٣٦ ، ٦» باسط الارض «اش ٤٢ ، ٥ و ٤٤ ، ٢٤» هل أدركت عرض الارض اخبرني ان عرفته كله «أي ٣٨ ، ١٨» ، وبعد هذا رأيت أربعة ملائكة واقفين على اربع زوايا الارض «روء ٧ ، ١ و ٢٠ ، ٨» ، وهذا يقتضي كون الأرض مسطحة مربعة ذات زوايا أربع.
وأظن ان هذا الكلام هو الذي دعا جماعة كثيرين من قدماء المسيحيين الى تكفير من
يقول بكروية الارض.
ومع هذا كله يقدم المتكلف «يه ٢ ج ص ٨٤» بقبيح جرأته على القرآن الكريم فيما ذكرنا ، ويعترض عليه بأن مضمونه مناف لكروية الأرض ، وقد عرفت انه ليس فيه شيء من المنافاة ، وان ما في العهدين أولى بالمنافاة ، وليت شعري ان الذي لا يفهم الكلام ولا يدري بما في كتب دينه لما ذا يقتحم مهالك البحث فيقع في فضيحة الجهل فضلا عن ضلال الكفر ولما ذا لم يكتف بالأكل من أرزاق الجمعيات كسائر المبشرين ..
فإن حاول التقرب الى الجمعيات بالتمويه والتلبيس ، فانها لا تجبره على ذلك ، وإنما تتوقع منه ما يرفع ذكرها ، لا ما ينبه الغافلين على جهل المبشرين بكتب دينهم وعدم تماسكهم في امرهم إلا بالتزوير والتمويه.