إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) في برهانك ومعجزتك الحقيقية ، فلا تخف الفتنة على الناس فإن الله مسدد أمرك.
ولم تقتض الحكمة امتحان الناس ٧٢ (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) مما لا حقيقة له فينجلي الريب ويحق الله الحق ويمحق الباطل وتزول ظلمة الشك ويسفر صبح اليقين ويعلى الله برهانك (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ) ، يعرف الناس انه زبرج وتمويه إذا أزال الله معثرته وأبطل صورته وأيد اعجاز آيته جل اسمه : (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) ، بل يرد الله كيده ويخذله في باطله.
واعترض المتكلف أيضا على نقل القرآن لإيمان السحرة لما تحققوا معجزة موسى.
فقال : لا يتصوران عبيد فرعون يؤمنون برب موسى ، ويخالفون فرعون الملك المطاع صاحب الدولة والشوكة الآمر الناهي ، وموسى كان بلا جاه ولا قوة.
قلت «أولا» : ان توراة المتكلف مع تفريطها في بيان الحقائق قد أشارت الى إيمان السحرة ، إذ ذكرت انهم قالوا لفرعون في معجزة البعوض : «هذا اصبع الله» «خر ٨ ، ١٩» ، وهذا إيمان منهم بالله وتصديق بمعجز رسوله.
«وثانيا» ان الايمان المنبعث عن هدى وبصيرة لينهض بالمؤمن الى نصرة الحق بإظهاره فلا يصده خوف من ظالم ولا محاذرة من الشدائد والعطب ولا طمع في أكل أموال الناس بالباطل .. فإن الذين أسلموا مع رسول الله عليهالسلام وآمنوا بدعوته لم يصدهم عن المجاهرة بإيمانهم خوف بلاء أو شدة أو عطب أو حب مال أو ولد أو وطن أو عزة عشيرة ، بل استقبلوا البلاء والشدائد وجبال الحديد ونيران الحروب بمهجهم وأرخصوا في سبيل الله كل عزيز ، كما هو معلوم بشهادة الاثر المتواتر.
فلا تقس أيها المتكلف كل الناس على تلاميذ المسيح فيما تذكره عنهم أناجيلكم من انهم لم يواسوا المسيح في الشدة ولم يدافعوا عنه ، بل هربوا وتركوه