الفصل الرابع
في دفع اوهام الاعتراض على قصص القرآن
الكريم وتاريخه
«صدر ، وتمهيد»
اعلم أن أكثر اعتراضات المتكلف في هذا المقام يتشبث فيها بخلو العهدين الرائجين مما يذكره القرآن الكريم أو بمخالفته لهما ، فاقتضى ذلك أن نذكرك قبل الشروع في رد شططه ، ونعيد على ذهنك إجمالا ما ذكرناه في المقدمة الخامسة عن كتب العهد القديم من ارتدادات بني اسرائيل ويهوذا وملوكهم في الشرك حتى ان مملكة بني اسرائيل كادت ان تتمحض للوثنية ، ومملكة يهوذا يكاد نور التوحيد فيهم أن يتلاشى ، ثم تبدو منه ذبالة تخفق بها الأهواء. ومن جملة شئونهم في ذلك ان هدموا بيت المقدس وصيروا كل أقداسه للبعليم «اصنام» ثم عادوا بعد ترميمه فأغلقوا أبوابه وأبواب الرواق وأطفئوا السرج ولم يوقدوا بخورا ولم يصعدوا محرقة ، وجعلوا الآلهة الغريبة في بيت المقدس وعكفوا على ضلالات المشركين وعوائدهم القبيحة حتى كان فيهم مأبونون يسميهم العهد القديم «قديسيم ، قديسين» «وهم ذكور ينذرون انفسهم للأوثان لكي يلاط بهم» واستمرت هذه العادة القبيحة تتفاحش وتقل من أيام «رحبعام» ابن «سليمان» «١ مل ١٤ ، ٢٤» الى أيام «يوشيا» حتى جعلوا بيوتهم عند بيت المقدس فهدمها «يوشيا» «٢ مل ٢٣ ، ٧» ، ومضت لبني اسرائيل أيام كثيرة بلا إله حق ، ولا كاهن معلم ، ولا توراة ، وبيت المقدس بينهم عرضة للنهب والتخريب ، والتنجيس ، وجعل الأوثان فيه حتى إذا مضت ثمان سنين من