بالقرآن والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإن كل أحد يعلم ان الوفاء بالعهد ، وإن كان خلقا حسنا إلا انه يتصف به المؤمن والمشرك والشجاع والجبان.
ولكن الصبر المذكور في الآية لا يتصف به إلا خاصة الأبرار وعيون الرجال ، وأما تعريضه بنبذ العهد في سورة براءة ، فإن كل من له أدنى إلمام التاريخ الاسلام لا يجهل انه قد وقعت الموادعة في عام الحديبية بين رسول الله وبين قريش وأحلافهم ، وتصالحوا على ترك الحرب مدة بشروط وروابط منها عدم التعرض للاسلام والمسلمين ، ومن دخل في عهد رسول الله ، ودخلت «خزاعة» في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ودخلت «بكر» في عهد قريش ، ثم غدرت بكر وظاهرتهم قريش ، فنقضوا الصلح والموادعة وعدوا على خزاعة فقتلوهم ، فقدم مستغيث خزاعة على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال فيما قال :
لا هم اني ناشد محمدا |
|
حلف أبينا وأبيك الأتلدا |
ان قريشا أخلفوك الموعدا |
|
ونقضوا ذمامك المؤكدا |
هم بيتونا بالحطيم هجدا |
|
وقتلونا ركعا وسجدا |
وقد ترجم المتعرب هذه الوقائع من نقل «سايل» لها «ق ص ١٠٣ و ١٠٧» فكان هذا النكث من المشركين موجبا لانحلال عقدة الموادعة مع الناكثين عرفا وشرعا ، فإن كل متعاقدين على شروط وروابط قد تبانيا في عقدهما على ان نكث أحدهما حال للعقد ومحلل للآخر من ذمته ، ولو لا ذلك لما كان معنى لجعل الشروط والروابط في المعاهدات ، وإن كنت في شك من ذلك فانظر الى طريقة الملوك والسوقة في معاهداتهم ، وانظر الى ما يذكره العهد القديم في معاهدات الله مع بني اسرائيل «خر ٣ : ١٧ و ٩ : ٥ و ٦» ومع داود في مملكته «٢ صم ٧ : ١٦ وخر ٨٩ : ٢٨ ـ ٣٧».
وانظر الى نبذ هذه العهود «عد ١٤ : ٢١ ـ ٢٤ ومز ٩٩ : ٣٨ ـ ٤٥ وار ٧ : ٢٣ ـ ٣٠ و ١١ : ٢ ـ ٩ و ١٤ : ٢١» ، فإن هذا كله إنما يصح على ما ذكرناه.