الآخرون الأولون يوم القيامة ، ونحن أول من يدخل الجنة» (١) وذكر تمام الحديث.
حديث آخر : ـ روى الدار قطني في الأفراد من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «إن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها ، وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمتي» ، ثم قال : انفرد به ابن عقيل عن الزهري ، ولم يرو عنه سواه ، وتفرد به زهير بن محمد عن ابن عقيل ، وتفرد به عمرو بن أبي سلمة عن زهير. وقد رواه أبو أحمد بن عدي الحافظ ، فقال : حدثنا أحمد بن الحسين بن إسحاق ، حدثنا أبو بكر الأعين محمد بن أبي عتّاب ، حدثنا أبو حفص التنيسي ـ يعني عمرو بن أبي سلمة ـ حدثنا صدقة الدمشقي عن زهير بن محمد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الزهري. ورواه الثعلبي : حدثنا أبو العباس المخلدي أنبانا أبو نعيم عبد الملك بن محمد ، أنبانا أحمد بن عيسى التنيسي ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، حدثنا صدقة بن عبد الله عن زهير بن محمد عن ابن عقيل به.
فهذه الأحاديث في معنى قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا الثناء عليهم والمدح ، كما قال قتادة : بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حجة حجها ، رأى من الناس سرعة (٢) ، فقرأ هذه الآية (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) ثم قال : من سره أن يكون من تلك الأمة ، فليؤد شرط الله منها ، رواه ابن جرير (٣) ، ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله تعالى : (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ) [المائدة : ٧٩] الآية ، ولهذا لما مدح تعالى هذه الأمة على هذه الصفات ، شرع في ذم أهل الكتاب وتأنيبهم ، فقال تعالى : (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ) أي بما أنزل على محمدصلىاللهعليهوسلم (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ ، مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) أي قليل منهم من يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم ، وأكثرهم على الضلالة والكفر والفسق والعصيان.
ثم قال تعالى مخبرا عباده المؤمنين ومبشرا لهم أن النصر والظفر لهم على أهل الكتاب الكفرة الملحدين ، فقال تعالى : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) وهكذا وقع ، فإنهم يوم خيبر أذلهم الله وأرغم أنوفهم ، وكذلك من قبلهم من يهود المدينة بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة كلهم أذلهم الله ، وكذلك النصارى بالشام كسرهم الصحابة في غير ما موطن ، وسلبوهم ملك الشام أبد الآبدين ودهر الداهرين ، ولا تزال عصابة
__________________
(١) صحيح مسلم (جمعة حديث ٢٠)
(٢) في الطبري : «رأى من الناس رعة سيئة». والرعة (بكسر الراء وفتح العين) أصلها من الورع مثل العدة من الوعد. والمراد هنا سوء الهيئة وسوء الأدب.
(٣) تفسير الطبري ٣ / ٣٩٠.