سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) فقال له عمر قل : (سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (١) قال : كيف ترى؟ قال : كأنّي لم أقرأ هذه الآيات قط وإنّي أعاهد الله أن لا أتكلم في شيء مما كنت أتكلم فيه أبدا. فقال عمر : اللهم إن كان صادقا ، فثبته وإن كان كاذبا فاجعله آية للمؤمنين.
فلم يتكلم زمن عمر ، فلمّا كان يزيد بن عبد الملك (ت ١٠٥ ه) وكان رجلا لا يهتم بهذا ولا ينظر فيه تكلم غيلان ، فلمّا تولى الخلافة هشام بن عبد الملك (ت ١٢٥ ه) أرسل إليه فقال له : أليس قد كنت عاهدت الله لعمر لا تتكلم في شيء من هذا أبدا ، قال : أقلني فو الله لا أعود قال : لا أقالني الله إن أقلتك هل تقرأ فاتحة الكتاب؟ قال : نعم ، قال : اقرأ الحمد لله رب العالمين ، فقرأ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال : قف ، علام استعنته؟ على أمر بيده لا تستطيعه أو على أمر في يدك؟ اذهبا فاقطعا يديه ورجليه واضربا عنقه واصلباه ، وجاء أن هشاما أرسل إلى الأوزاعي فناظره وأفتى بقتله.
وقيل : إنّه قطع يده في المرة الأولى ثم أطلقه ، فمر به رجل والذباب على يده ، فقال له : يا غيلان! هذا قضاء وقدر ، فقال : كذبت ، لعمر الله ما هذا قضاء ولا قدرا ، فبعث إليه آنذاك هشام وقتله (٢).
وما كان هذا من هشام مع ما عرف به من ورع شديد على الدماء ـ حتى إنّه غضب مرة على رجل فقال له : اسكت وإلّا ضربتك سوطا (٣) ـ إلّا لبشاعة المقالة التي أظهرها غيلان ومن سبقه.
__________________
(١) سورة يس ، الآية رقم (٩ ، ١٠).
(٢) انظر في الخبر «السنّة» لعبد الله بن أحمد (٢ / ٤٢٩) ، و «القدر» للفريابي (رقم ٢٨٣) و «أخبار عمرو بن عبيد» للدار قطني (٢٠ ، ٢١) ، و «شرح أصول اعتقاد أهل السنّة» (٣ / ٧١٢ ـ ٧١٧) ، و «تاريخ دمشق» لابن عساكر (١٤ / ١٨٤ ـ ١٨٦).
(٣) «البداية والنهاية» لابن كثير (١٠ / ٤٠٦).