ولذا استحسن علماء الإسلام آنذاك ما فعله الخليفة ، وكان منهم رجاء بن حياة (ت ١١٢ ه) ـ أحد أعلام التابعين ـ الذي كتب للخليفة فقال : «بلغني أنّه دخلك من قتل غيلان وصالح ، فأقر بالله لقتلهما أفضل من قتل ألفين من الترك والديلم» (١).
ولكنّ المقالة لم تمت بموت معبد وغيلان إذ كانت قد فشت في أبناء اليهود والنصارى وأنباط العراق وأبناء السبايا.
وكان من أبناء السبايا واصل بن عطاء المخزوميّ مولاهم (٢) (ت ١٢٩ ه) وقرينه في الضلالة عمرو بن عبيد بن باب (ت ٢٤١ ه) (٣) اللذان طردهما التابعيّ الجليل الحسن بن أبي الحسن البصري من مجلسه بعد أن أحدثا بدعة أخرى لم يقل بها أحد ممن ينسب إلى الإسلام قبلهما ، وهي بدعة «المنزلة بين المنزلتين» وكانا قد أخذا بدعة «جهم بن صفوان» (٤) في نفي الصفات ، وبدعة الخوارج في الطعن على أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فضما هذه البدعة «نفي القدر» إلى أصولهم العقدية ؛ فتم لهم بذلك خمسة أصول عقدية ، هي ما أجمع عليه المعتزلة بعدهما.
ولكنّ المعتزلة هذبت هذه المقالة حتى تقبل وتلقى رواجا ـ فأقرت بعلم الله السابق للأشياء ، ثم أنكرت أن الله خالق أفعال العباد ، وزعمت أن العباد هم الذين يخلقون أفعالهم ، فأثبتوا خالقين ، كقول المجوس فكانوا كما قيل : مجوس هذه الأمة (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) (٥) إذ قال المجوس بأصلين هما : النور والظلمة ، وزعموا أن الخير من فعل النور ، والشر من فعل
__________________
(١) «شرح أصول اعتقاد أهل السنّة» (٣ / ٧١٧).
(٢) انظر في ترجمته : «ميزان الاعتدال» (٤ / ٣٢٩).
(٣) انظر في ترجمته : «أخبار عمرو بن عبيد» للدار قطني و «تاريخ بغداد» (١١ / ١٦٦).
(٤) أسّ كل البليات ، ورأس كل الضلالات ، وسنأتي على ذكره.
(٥) سورة البقرة ، الآية رقم (١١٨).