الظلمة. وكذلك القدرية ، يضيفون الخير إلى الله ، والشر إلى غيره ، والله ـ سبحانه وتعالى ـ خالق الخير والشر ، لا يكون شيء منهما إلّا بمشيئته.
وعلى الضد والنقيض لهذه المقالة ، مقالة القدرية ـ كانت قد ظهرت مقالة أخرى مقابلة لها في التطرف ، وهي مقالة «الجبرية» الذين نفوا فعل العبد وقدرته واختياره ، وزعمت أن حركته الاختيارية كحركة الأشجار عند هبوب الرياح وكحركات الأمواج ، وأنّه على الطاعة والمعصية مجبور ، وأنه غير ميسّر لما خلق له ، بل هو عليه مقسور مجبور (١).
وكانت هذه المقالة قد أظهرها الجعد بن درهم الخرساني (٢) مع عدد من المقالات الأخرى ، كقوله بخلق القرآن ، وتعطيله لأسماء الله وصفاته ، بل كان أوّل من حفظ عنه ذلك (٣).
ويذكر علماء السلف أن الجعد أخذ بدعته عن أبان بن سمعان ، وأن أبان بن سمعان أخذها عن طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم وزوج ابنته ، وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر الذي سحر النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأنه أخذها عن يهودي باليمن لا يعرف (٤).
وكان الجعد آنذاك بدمشق ، ثم إنّه هرب منها حين طلبته خلفاء بني أمية لبعض مقالاته وسكن الكوفة فلقيه هناك «الجهم بن صفوان بن محرز الراسبي مولاهم السمرقندي ، فتقلد منه مقالاته ، ثم إن الأمير خالد بن عبد الله القسري (ت ١٢٦ ه) تمكن من الجعد فقتله ذبحا بواسط صباح يوم عيد الأضحى من عام أربع وعشرين ومائة».
فعن حبيب بن أبي حبيب قال : خطبنا خالد بن عبد الله القسري بواسط يوم الأضحى فقال : «أيّها الناس! ارجعوا فضحوا تقبل الله منّا
__________________
(١) «شفاء العليل» (ص ١٩).
(٢) انظر ترجمته في «ميزان الاعتدال» (١ / ٣٩٩).
(٣) «الفتوى الحموية» (ص ١٣).
(٤) «مجموع الفتاوى» (٥ / ٢٠) ، و «البداية والنهاية» (٩ / ٤٠٥).